فريد حفيض الدين”هذا جهدي و هاذي فهامتي ” العدد (44) 02/05/2023 * أمريكا أولا وأخيرا *
فريد حفيض الدين
كثيرة هي المتغيرات الجيو سياسية والاستراتيجية التي يعيش على إيقاعها العالم حاليا. ومن الصعب تكهن ما سيكون عليه عالم ما بعد كورونا ، والحرب الروسية الاوكرانية.
المؤكد ، أن هناك تحالفات جديدة ستتشكل، وقوى عظمى هي من ستحدد موازين القوى المقبلة خدمة لاجنداتها السياسية والاقتصادية. وهي من ستفرض على باقي الدول ، التخندق في هذا المعسكر أو ذاك…
وبالطبع أول المهتمين بهذه المتغيرات ، هناك الولايات المتحدة الأمريكية متزعمة العالم ، وهي من يتولى رسم خرائط العالم وغايتها الاستمرار في الريادة ، وإبعاد خصومها عن دائرة الزعامة ولو تطلب ذلك التضحية بالحليف قبل الخصم.
كيف، وبأية وسائل ؟
قبل كل شيء يجب أن نعلم أن أمريكا وعبر تاريخها ، لا يمكن لها أن تعيش من دون حروب. شريطة أن تدور هذه الحروب خارج رقعتها الجغرافية.
أمريكا كذلك في حاجة إلى حروب عبر العالم، لأن اقتصادها يزدهر من خلال بيع ترسانتها الحربية المتنوعة والمتقدمة إلى كل بقع العالم التي تعرف توثرات ، ونزاعات ، وحروب.
كما أن أمريكا تفتعل خلق بؤر وازمات وفتن مستدامة لحلفائها وخصومها في نفس الوقت ، بغية إنهاك اقتصاديات الجميع. وكأن حال لسانها يقول ” أنا ومن بعدي الطوفان”
وهي تعرف لعبة خلط الأوراق ، وابتزاز هذا الطرف أ وذاك للحفاظ على مصالحها مع كل الأطراف. ولعل الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي خير دليل على ذلك. فامريكا هي حليفة إسرائيل وفي نفس الوقت حليفة خصوم إسرائيل.
أمريكا تراقب تسلح إيران ، وتخيف به دول الخليج لتبيعهم سلاحها، وهي تعرف ان إيران لن تتجرأ على ضرب دول الخليج ، وحتى إسرائيل من دون علمها وموافقتها.
أمريكا هي من خططت وحرضت أوكرانيا والغرب على ابتزاز روسيا وجرها لحرب ، ليس فقط مع أوكرانيا ، بل مع دول اوروبا ، وحلف الناتو. وهي بذلك تنهك حلفائها من اوروبا وخاصة فرنسا وألمانيا ، وخصمها دولة روسيا الاتحادية ، حتى لا تدخل هذه الأخيرة في تحالف مع الصين ، اول خصم يهدد زعامة أمريكا الاقتصادية خلال العشرية القادمة.
وهي من عوضت بيع الغاز الروسي لدول اوروبا وبأثمان باهضة.
ولكي تضمن أمريكا على الأقل حياد الصين في الحرب الروسية الاوكرانية ، تستعمل في وجهها أهم ورقة ترهقها ، وهي ورقة جزيرة تايوان الواقعة على بحر الصين ، والتي تعتبر ممرا تجاريا هاما للاقتصاد العالمي ، وقوة اقتصادية يصل دخلها القومي إلى ما يفوق 600 مليار دولار سنويا. إضافة إلى كونها رائدة في صناعة الشرائح الإلكترونية الضرورية لصناعة السيارات الكهربائية. والصين لا يمكنها أن تفرط في سيادتها على هذه الجزيرة من أجل سواد عيون بوتين أو غيره.
حتى وساطة الصين بين إيران والمملكة العربية السعودية من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية ببن البلدين ، لم تكن لتمر من دون علم أمريكا بحيثيات وكواليس هذه الصفقة ، لأن السعودية حليف استراتيجي لأمريكا في الشرق الأوسط ، ولا يمكنها التحرك خارج هذا الإطار.
أمريكا لن تظل كذلك غائبة عن ما يجري في السودان بين قوات التدخل السريع، وقوات الجيش السوداني من تطاحن على السلطة ، نظرا لموقع السودان الاستراتيجي ، وحدوده مع الحليف المصري ، وقربه من بؤر توثر الساحل الافريقي ، إضافة الى ترواثه ، وخاصة من الذهب ، وترواثه الطبيعية المرتبطة أساسا بمياه النيل.
المغرب وبحنكته الدبلوماسية عبر قرون ، عرف كيف يتموقع داخل خريطة العالم الجديد ، وتحالفاته وراهن على الحصان الفائز أي أمريكا.
هذه الأخيرة بدورها ، استبقت الأحداث والمتغيرات الجيو سياسية القادمة بمنطقة شمال إفريقيا ، والساحل الجنوبي لافريقيا ، وجعلت من المغرب حليفها الاستراتيجي جنوب المتوسط ، وبوابتها لافريقيا لمحاصرة الغزو الاقتصادي الصيني ، التركي ، الروسي لافريقيا.
هكذا تنظر أمريكا إلى العالم ، وهكذا تريده. عالم يسير حسب رغباتها ومصالحها الاستراتيجية. من أجل هذا ، توجه ضرباتها الى الحليف والخصم ، بما في ذلك الضربات الموجعة تحت الحزام الممنوعة على الأقل في قوانين الرياضة….
” أنا ومن بعدي الطوفان”
أقصد أمريكا بالطبع.
هذا جهدي و هاذي فهامتي
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق