مع الحدث
المتابعة ✍️: لحبيب مسكر
شهدت العلاقات بين بعض الدول العربية، وفي مقدمتها الجزائر والإمارات، فترات من التفاهم وأخرى اتسمت بالتوتر. غير أن اللافت في السنوات الأخيرة هو تصاعد الهجمات الإعلامية الممنهجة من طرف وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة. وتتنوع هذه الهجمات بين اتهامات باطلة، وتحليلات مسيّسة، ومضامين دعائية تهدف إلى تشويه صورة الإمارات ودورها الإقليمي والدولي. يرصد هذا المقال ملامح تلك الحملة، ويفنّد المزاعم المتداولة، ويستعرض الموقف الإماراتي القائم على التزام ضبط النفس والدبلوماسية المسؤولة.
خصصت بعض وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية وشبه الرسمية، خلال الفترة الأخيرة، مساحات واسعة لتناول الإمارات في سياقات سلبية، متهمة إياها بالتدخل في شؤون دول عربية وأفريقية، أو بتمويل صراعات ودعم أطراف مسلحة، دون تقديم أي أدلة موثوقة أو وثائق داعمة لهذه المزاعم. وتأتي هذه الاتهامات في إطار سياسة إعلامية تبدو موجهة من أعلى، تزامنت مع توترات إقليمية ومساعٍ من بعض الجهات الجزائرية لخلق سرديات “مقاومة” تقوم على اختلاق خصوم خارجيين.
من أبرز الملفات التي حاول الإعلام الجزائري استغلالها لتوجيه الاتهامات للإمارات، الحرب الدائرة في السودان. فقد روجت منصات جزائرية رسمية لما وصفته بـ”ضلوع الإمارات في تأجيج النزاع”، بالاستناد إلى دعاوى قدمتها القوات المسلحة السودانية أمام محكمة العدل الدولية. إلا أن تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة فنّد هذه الادعاءات بشكل قاطع، مؤكدًا أن الإمارات التزمت بحظر الأسلحة المفروض على السودان، واتخذت إجراءات صارمة لمنع استغلال أراضيها في أي أنشطة غير قانونية.
لا تقتصر الحملة الإعلامية الجزائرية على قضية السودان، بل تشمل أيضًا ملفات أخرى مثل ليبيا، اليمن، والعلاقات الخليجية. ويتبنى الإعلام الرسمي الجزائري خطابًا يزعم أن الإمارات تسعى إلى “الهيمنة الإقليمية” أو إلى “إضعاف الحركات الثورية”، في محاولة لتأليب الرأي العام المحلي والعربي ضدها. وغالبًا ما تُبنى هذه السرديات على تحليلات تفتقر إلى المصادر، أو تُعزز من خلال استضافة شخصيات إعلامية محسوبة على تيارات مناوئة للإمارات، كالإخوان المسلمين أو بعض الاتجاهات القومية المتشددة.
رغم استمرار هذه الحملات، لم تنجرّ الإمارات إلى ردود فعل عدائية، بل حافظت على نهج دبلوماسي هادئ، أكدت من خلاله التزامها الثابت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وحرصها على احترام سيادة جميع الدول، بما في ذلك الجزائر. كما شددت الإمارات على أن علاقاتها مع الشعب الجزائري تاريخية وأخوية، معتبرة أن الحملات الإعلامية الرسمية لا تعبّر عن مواقف الشعب الجزائري، وإنما تعكس توجهات سياسية ظرفية لبعض دوائر السلطة.
في مقابل هذه الحملات، تؤكد تقارير دولية صادرة عن جهات محايدة مصداقية الموقف الإماراتي. فقد أشار تقرير مجلس الأمن الدولي بشأن السودان، إلى أن الإمارات لم تخرق العقوبات الدولية، ولم تتورط في أنشطة غير قانونية. بل إن الإمارات، بحسب هذه التقارير، تواصل دعمها للمسارات السياسية والحلول السلمية في مناطق النزاع، وتقدّم المساعدات الإنسانية، وتلتزم بالقانون الدولي، مما يعزز صورتها كفاعل موثوق على الساحة الدولية.
إن ما تمارسه وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية لا يمكن اعتباره نقدًا موضوعيًا أو تحليلًا مهنيًا، بل هو حملة دعائية منظمة تهدف إلى شيطنة الإمارات وتقويض مكانتها الإقليمية. ورغم ذلك، تواصل الإمارات اتباع سياسة عقلانية، وتراهن على قوتها الناعمة وسمعتها الدولية لتفنيد هذه الادعاءات. وفي ظل هذا المشهد، يبقى السؤال مفتوحًا: إلى متى ستواصل بعض الحكومات توظيف الإعلام كأداة داخلية لتبرير الإخفاقات، عوض توجيهه نحو بناء الثقة وتعزيز التعاون الإقليمي؟
تعليقات ( 0 )