البيئة التربوية والتعليمية: أبعاد وتحديات

البيئة التربوية والتعليمية: أبعاد وتحديات

Sans-titre-300x226 البيئة التربوية والتعليمية: أبعاد وتحديات

The educational environment: dimensions and challenges

يرى بعض الباحثين بأن مفهوم “البيئة” (Environnement) بشكل عام يشمل البيئة بمفهومها البسيط والشامل، بما في ذلك البيئة الطبيعيّة التي تحيط بالإنسان، سواء الأشياء المادية الغير الحية التي تتواجد حوله كالجماد والأدوات والوسائل والبنايات والأزقة والشوارع والطرقات، أو كل الكائنات الحية والحيوانات بكل أنواعها وأصنافها، بالإضافة إلى البشر أنفسهم، أي كلّ المخلوقات وأنواع وأصناف الكائنات الحيّة والكائنات غير الحيّة الّتي تتواجد حول الإنسان على سطح هذا الكوكب الذي نعيش فيه، وتساعد الإنسان وتمهد له سبل وطرق التعايش والبقاء حيا لأجل مُسمى. غير أن مفهوم البيئة لا يقتصر على هذا المعنى أو المجال فحسب، بل يشمل أيضاً معان أخرى منها:

  • البيئة الاجتماعيّة ؛
  • البيئة الصناعيّة ؛
  • البيئة الزراعيّة ؛
  • البيئة التربوية والتعليمية؛
  • البيئة السياسيّة وغير ذلك؛

وبهذا يمكن القول أن مجال العمل أو الأنشطة البشرية تكون في حد ذاتها بيئات خاصة وعامة. وأما إن بحثنا في معنى مصطلح “البيئة” لغوياً، فسنجد أن هذه الأخيرة تفيد معنى الإقامة؛ فهي مأخوذة من الفعل ( تبوّأ)؛ حيث أن البيئة تعني ذلك الموضع الذي ينتمي الإنسان إليه ويتفاعل معه يوميا طيلة فترة وجوده على سطح هذا الكوكب، أو طيلة حياته بين بني البشر. ومما لا شك فيه أن لمفهوم البيئة أبعاد تتعدى الحدود الجغرافية للمجتمعات والدول لتصبح عالمية أحياناً كما هو الحال في معالجة قضايا المناخ والتغذية ومحاربة الأمراض والأوبئة. وحين نتكلم عن صبغة العالمية، فهنالك تحديات جمة تقف امام نطبيق معايير “البئة النقية” كما هو الحال عند محاولة تطبيقها محلياَ. فهل سيقف العالم مكتوف الأيادي أمام تلك التحديات، أم أن هنالك نهضة وطفرة فيما يخض مناهضة كل أشكال التلوث والعنف والمخدرات والأوبئة. لكن قبل كل هذا، هل نحن على وعي تام بالمعنى الحقيقي لكلمة “البيئة” وكيف نحافظ عليها؟.

 

أهم عناصر البيئة:

ذهب معظم العلماء والباحثين في مجال البيئة إلى أن هذه الأخيرة تنقسم إلى أقسام، ولكل قسم منها عناصر أساسية،  وتضم تلك الأقسام على سبيل المثال لا الحصر:

– البيئة الطبيعية (Natural Environment):  وتتكون من أربعة أنظمة مترابطة وهي: الماء، واليابسة، وما يحيط بالكرة الأرضية من غلاف جوي، وكذلك المحيط الطبيعي للأرض والجو  والذي يشمل ويضم المعادن والتربة والهواء والماء.

– البيئة البيولوجيّة ( Biological Environment): وهي تهتم بشكل خاص جدا بالإنسان، إذ تهتم بتكوينه ومراحل نشأته ومتطلباته في فترات نموه الجسمي والعقلي والروحي، ويمكن القول بأن هذه البيئة هي جزء أصيل من البيئة الطبيعيّة الكبيرة المحيطة بالإنسان.

– البيئة الاجتماعية (  Social Environment): وهي البيئة التي تهمنا في موضوعنا هذا، إذ هي التي تتضمن كافة العلاقات التي تربط ما بين الأشخاص ضمن إطار المجتمع الواحد وفي إطار البيئة الطبيعية والتي يوليها البعض الكثير من العناية والاهتمام، وهي المفهوم الأكثر والأوسع انتشارا من مفاهيم البيئة كلها، إذ أن هذه البيئة تحتوي على العديد من العناصر الضرورية والأساسية التي تحتاج إليها كافة أنواع الكائنات الحية على اختلاف أنواعها كالهواء والماء والتربة وما إلى ذلك.

– وأما البيئة التربوية والتعليمية Educational Environment) ) فهي بدون شك (كباقي أنواع البيئة) لها مكوناتها وعناصرها التي لا يمكن الاستغناء أو العبث بأي منها، لأن ذلك يؤدي حتما إلى العبث بنتائج منظومة التربية والتعليم  ومردوديتها وأهدافها. وبما أن جميع البيئات تتطلب تناسقا بديهيا بين جميع عناصرها ومكوناتها، فإن بقاء واستمرارية منظومة التربية والتعليم يتطلب وجود تناغم وترابط وانسجام تام بين جميع عناصر بيئتها، إذ أي خلل أو نقصان بين عناصر ومقومات فضائها ومواردها البشرية سيؤدي لا محالة – وكما قلنا سابقا- إلى تقهقر في إنتاجها وتدهور في مستوى روادها ومنسوبيها من حيث التحصيل المعرفي، أو المستوى الأخلاقي والسلوكي .

ومن المعلوم أيضا أن هنالك مناداة وصرخة من طرف المهتمين من أجل الحفاظ على توازن تلك العناصر والمكونات للبيئة بصفة عامة، إذ أن الإخلال بتوازنها يؤدي حتما إلى القضاء على حياة هذه الكائنات من حولنا، وفي حال زاد مستوى الإهمال عن الوضع الطبيعي، فإن ذلك يؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها. أما تلوث البيئة الملموس فقد يضر بالعناصر الأساسية لها والتي تساعد على استقرارها وصيرورتها، وقد يتسبب التلوث في تلفها وإتلاف المواد والعناصر الأساسية التي تتكون منها مما سيضر بصحة كل المخلوقات من حولنا، بما في ذلك الإنسان نفسه. غير أن التلوث البيئي في حد ذاته قد لا يأتي بشكل مفاجئ، إذ منه التلوث الطبيعي الناتج عن تفاعل العوامل الطبيعية نفسها، وكذلك التلوث الناتج عن العوامل البشرية، بما في ذلك العوامل والتفاعلات المتعلقة بالحركة الصناعية والاستهلاكية والتي يكون سببها الإنسان نفسه. ورغم كل شيء، تبقى العوامل البشريّة أشدّ خطورة على البيئة بشكل عام؛ إذ أن الملوّثات التي تُلقى في العناصر البيئيّة (أي في التربة أو الغابات أو أعماق البحار والأنهار)هي ملوثات ضارة وبشكل كبير جدا على هذه العناصر نظرا لما تحدث من اختلالات في عناصرها وبالتالي يؤدي إلى إتلافها أو تدميرها. إن التلوث البيئي (وخاصة التلوث البشري: أي الذي يكون الإنسان هو السبب المباشر في حدوثه) هو المسبب للعديد من الأمراض المختلفة التي تصيب العديد من الكائنات وعلى رأسها الإنسان.

وبالإضافة إلى تلك الأنواع من التلوث، هنالك “التلوث الاجتماعي” أو “تلوث البيئة الاجتماعية”، ويمكن اعتبار هذا النوع من التلوث الأخطر على الحياة وعلى الطبيعة والإنسان على الإطلاق لأنه يفتك بالقيم والمبادئ ولأخلاق والهوية والدين والروابط الأسرية مما قد يؤدي إلى اندحار الأمة، ولنا في تاريخ الأمم والحضارات التي اندثرت أمثلة كثيرة. وما العنف في المدارس سواء من طرف التلاميذ أو الطلاب أو المعلمين إلا أحد نتائج هذا النوع من التلوث!!!

ولهذا السبب وجب على جميع شرائح المجتمع أن يقفوا وقفة رجل واحد وأن يتحملوا مسؤولية الحد من أخطار تلوث البيئة الاجتماعية من انتشار سافر لجميع أنواع المخدرات والموبقات والعنف اللفظي والجسدي أمام المؤسسات التعليمية، لأنها قد بدأت تفتك بالعديد من أبناء المجتمع وتسببت في ارتفاع نسبة التكرار والهدر المدرسي وتفكيك عدة أسر وكانت ولا تزال سبباً في تدني سلوك الطالب وبعض الأسر أيضاً، وكذلك تدني مستوى التربية والتعليم في جميع المستويات وعلى حد سواء.

 

مخاطر تلوث البيئة الاجتماعية:

من المعلوم أن المجتمع الذي يطمح إلى التقدم والرقي يجب أن يكون مستعدا لذلك الهدف السامي وذلك من خلال إعداد الفرد إعدادا يليق بمكانة ذلك المجتمع بين الأمم. فإعداد الفرد الفخور بوطنيته النافع والصالح لا يتم في غياب وجود بيئة طبيعية نقية وأخرى تربوية وتعليمية سليمة وقوية، كذلك بيئة اجتماعية نظيفة ومحصنة وخالية من ظاهرة الاتكال على الغير وخالية أيضا من كل أنواع الكلام الساقط والأخلاق المنحطة والسلوك المنحرف داخل وخارج البيوت  أي في الشوارع، وخالية من كل أنواع العنف والجريمة والموبقات المغرضة وكل أنواع الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

إن تلوث البيئة الاجتماعية أساسه البعد عن الدين والطريق السوي وكذلك البعد عن الأخلاق الفاضلة واللهث وراء المال والخنوع لما تسعى إليه الامبريالية الرأسمالية. ومن مخاطر تلوث البيئة الاجتماعية كذلك هو خلق مجتمع ينطوي ويعول على بطانة فاسدة تساعد على تفشي معالم الغش، وتغلق بذلك الباب أمام شتى أنواع الفساد والمحسوبية والزبونية التي قد تولي من هم غير مؤهلين لمناصب مفصلية ومسئولة. وفي غياب وجود بيئة اجتماعية نظيفة أيضاً، تكثر الطفيليات والطحالب والفطريات المضرة المتعشعشة والمتجسدة في أنواع المخدرات والسلوك المنحرف بين بعض أبناء المجتمع فتلد لنا أرحام الأمهات المغلوبات عن أمرهن أجيالاً ممسوخة اتكالية غير نافعة؛ أجيالا لا تعظم شعائر الله وحدوده، ولا تحترم كبار السن ولا المعلم ولا التلميذ داخل وخارج حجرات الدرس، ولا تعي قيمة النجاح والتفوق واكتساب المعرفة ومدى أهمية واثقان اللغات، ولا معنى التعايش والوسطية في كل مناحي الحياة وفي كل الأشياء وفي الاعتقاد والمعاملة، فلا ضرر ولا ضرار، ولا معنى البر بالوالدين ولا حتى معنى التكافل  وفعل الخير والإحسان.

والله ولي التوفيق،،،

 

*خبير في مجال التربية والتعليم، مستشار

abdul14v23@gmail.com

 

Share this content:

إرسال التعليق

You May Have Missed