التعلق من أجل تطوير مستوى التلميذ
عبد الصمد عراك
نظرية التعلق إحدى أبرز النظريات التي أتى بها علم النفس التربوي، فمنذ أن أكد “سيݣموند فرويد” أن الطفل يربط علاقة مع ثدي أمه فيثور اذا انتزع منه و يرتاح إذا التصق به ليمنحه الشعور بالتغذية و الأمان، أخرج على خلفية هذا القول” جون بولبي” عالم النفس الإنجليزي نظرية اسمها ” نظرية التعلق “، هذه الأخيرة تحلل مدى قدرة الطفل على التعلق بالوالدين حتى و إن لم يكونا البيولوجيين و قد توصل الى أن أغلبية الأطفال بعد منحهم شعور الاحتواء و تقريبهم من الابوين تأتي تصرفاتهم رافضة بعد ابعادهم عنهم و يقبلون علىهم مسرعين فور عودتهم، لتبرز لنا هذه النظرية كإحدى أبرز الطرق التي من خلالها يمكن احتواء الطفل و تجنب عدوانيته، لتتطور بعد ذلك هذه النظرية و تتجاوز الأطفال و اليافعين و تشمل البالغين لكن في إطار العلاقات العاطفية و الغرامية…
ما يهمنا نحن من خلال هذا التحليل و من خلال هذه النظرية هو ابراز مدى إمكانية إسقاطها على التعليم و على العلاقة بين الأساتذة و تلاميذهم في أسلاك التعليم من الأولي حتى الثانوي، هل يمكن أن يلعب الأستاذ دور المتعلق به في نظرية التعلق و بالتالي يجعل التلاميذ يشعرون بالراحة معه و ينتفضون كلما ابتعدوا عنه؟
نعم يمكنه ذلك، فالمعلم الناجح ليس هو الذي يجعل قسمه هادئا منضبطا خوفا منه، بل حبا فيه، لكن كيف أمكن لهذا المعلم تملك أدوات تعليق تلاميذه به ؟, الجواب بكل بساطة هو تمرير شعور القرب و الخوف عليهم، بالاحساس الصادق الذي يمر سريعا و ينفذ إلى قلب الطفل بسرعة و يلقى بذلك تجاوبا أسرع، حتى أكثر الحالات استعصاءا بمرور الوقت و بخلق قناة اتصال التعلق أكثر من مرة، لا شك أنها ستسجيب، كما استجاب الأطفال عينات الدراسة الذين قامت تلميذة ” بولبي” وهي “ماري أينسورث” بالاشتغال عليهم, حيث توصلت إلى أن تعلق الطفل بالأم ( المربي ) في أغلب الأحيان يتبعه نفور اذا قدم الطفل لشخص غريب، إذن بإمكان المعلم أو الأستاذ او المربي أن يخلق سبل التعلق بينه و بين من معه في فضاء التربية.
كيفية خلق سبل التلعق هي أكثر شيء يجب الوقوف عنده، فالتقرب من التلميذ و احتواءه هو السبيل الكفيل بمد جسور التعلق بينهما، يجب على المربي أن يتقرب من تلاميذه و أن لا يجعل زمن الدرس فقط لتقديم الرسالة التعليمية التعلمية بل يجب تمرير قيم الحرص على التلميذ و محبته و الاستعداد التام لمساعدته على تجاوز المخاطر أيا كانت، لتترسخ بذلك احاسيس حب متبادلة عند الالتقاء داخل حجرة الدرس و خوف و قلق من مغادرتها، لأن المدرسة هي استمرارية لمؤسسة الأسرة و في هذا الإطار تحدث الدكتور ” محمد مومن ” ( و الذي اشرف على بحث تخرجي في سلك الماستر تحت عنوان دور المسرح في تتمية شخصية الطفل ) أشار في كتاب ” دور الأسرة في التحصيل الدراسي” إلى أهمية الأسرة في الدفع بالتلميذ نحو التحصيل، ليصبح الأستاذ فور انتقال التلميذ الى المدرسة بمثابة معوض الأسرة هناك، ومن خلال مد جسور الثقة بين المدرس و التلميذ ستتقوى رابطة التعلق و سيصبح التلميذ رهين تشكيل المدرس له و بالتالي سيزيد من جهوده قصد إرضاءه، لنصل إلى الهدف وهو تطوير مستوى التلميذ، و الرفع من قدراته المعرفية بطريقة رضائية دون حاجة لعنف أو عقاب.
اذن فنظرية التعلق من أهم النظريات التي يجب أن يطلع عليها المدرسون قبل خوض غمار تجربة نقل المعارف، لأن التلميذ ليس وعاءا نصب داخله كما معينا من المعلومات بقدر ماهو مجموعة أحاسيس قصد التبلور، سريعة التأثر و سهلة الإلتصاق.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق