التقاعد النسبي: انطلاقة جديدة لا نهاية مشوار

مع الحدث متابعة: لحبيب مسكر

لطالما اعتُبر التقاعد نهاية لمسار مهني وبداية لحياة من الراحة، غير أن فئة واسعة ممن اختاروا التقاعد النسبي، قلبوا هذه الصورة رأسًا على عقب. فقد تحوّل هذا النوع من التقاعد إلى محطة انطلاقة ثانية، وفرصة ذهبية لمواصلة العطاء في ميادين مختلفة، مستفيدين من خبراتهم المتراكمة واستقرارهم المادي.

العديد من هؤلاء لم يركنوا للراحة، بل انخرطوا بكل شغف في مشاريع حرة، أنشأ بعضهم مقاولات وشركات، بينما اختار آخرون الاشتغال بنظام “المقاول الذاتي”. لم تكن الغاية مادية فقط، بل تحوّلت التجربة إلى مسار جديد لتجديد الطموحات وتوسيع الأهداف.

من الوظيفة إلى ريادة الأعمال

الأستاذ عيداوي، نموذج حي لهذا التحول. كان أستاذًا في مادة الفنون التشكيلية، وبعد حصوله على التقاعد النسبي، لم يعرف طعم الراحة. يعمل ليلًا ونهارًا، يتنقل بين الورشات والمعارض، ولا يكاد هاتفه يتوقف عن الرنين. خبرته الطويلة جعلته مطلوبًا في سوق العمل الحر، حيث بات يشتغل على مشاريع متعددة ويقود مبادرات فنية بثبات وإصرار.

رجل المخيمات وخبير الأجيال

لكن الأستاذ عيداوي ليس فقط فنانًا متفرغًا، بل هو أيضًا أحد أعمدة العمل التربوي في المغرب، خاصة في مجال المخيمات الصيفية. فقد قضى سنوات طويلة مديرًا للمخيمات ومؤطرًا بها، حتى أصبح من أبرز الأسماء التي تُستشار كلما تعلق الأمر بإنجاح البرامج التربوية والترفيهية الموجهة للأطفال والشباب. حضوره في المخيمات ليس فقط تنظيميًا، بل إنسانيًا وتكوينيًا، حيث يحرص على نقل القيم، وتنمية الحس الفني والإبداعي لدى الأجيال الصاعدة.

من التجربة إلى التكوين

وقد اختار عيداوي، كما فعل العديد من المتقاعدين النسبيين النشيطين، أن لا يحتكر المعرفة والخبرة، بل فتح باب التكوين أمام الشباب. فأشرف على دورات تدريبية، ونقل خلاصة سنوات من العمل الميداني داخل القسم والمخيم إلى الجيل الجديد من المؤطرين والمبدعين.

طموح لا يتقاعد هؤلاء النشيطون برهنوا أن التقاعد النسبي ليس راحة، بل محطة لإعادة التموضع. هو تفرغ جزئي من الوظيفة، لكنه التزام كامل مع الطموح. بفضل إصرارهم، استطاعوا المساهمة في الدينامية الاقتصادية والاجتماعية من موقع جديد، أكثر حرية وأوسع تأثيرًا.

خلاصة: التقاعد النسبي ليس نهاية المطاف، بل هو انتقال ذكي نحو مرحلة أكثر إبداعًا. حين يقترن بالإرادة والشغف، يصبح التقاعد النسبي جسرًا للإنجاز، ومدرسة لتكوين الآخرين، وأداة لبناء مستقبل لا يعرف التوقف.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)