الذباب الإلكتروني: سلاح تضليل جديد في معركة الوعي الرقمي

إعداد: لحبيب مسكر

في ظل الطفرة الرقمية المتسارعة، لم تعد منصات التواصل الاجتماعي مجرد فضاءات للتعبير أو الترفيه، بل تحولت إلى ساحات صراع رقمي، يقف في قلبها ما يُعرف بـ”الذباب الإلكتروني”. هذه الظاهرة، التي تتجلى في حسابات وهمية أو شبه وهمية، باتت أداة فعالة في توجيه الرأي العام والتأثير عليه، سواءً بشكل إيجابي أو سلبي.

 

سلاح ذو حدين

 

يُعرف الذباب الإلكتروني بأنه مجموعة حسابات آلية أو مُدارة من قِبل أفراد، تُستخدم غالباً لأغراض سياسية، وتعمل على تضخيم محتوى معين، مهاجمة خصوم، أو الترويج لأجندات محددة. وفي حين أن لهذه الحسابات وجهاً إيجابياً في بعض السياقات، إلا أن الوجه المظلم لها غالباً ما يكون طاغياً وخطيراً.

 

الاستخدامات الإيجابية: تعبئة وتوعية

 

رغم الصورة السلبية السائدة، لا يمكن إنكار بعض الأدوار الإيجابية لهذه الظاهرة. فقد سُخّرت في أحيانٍ كثيرة لدعم قضايا إنسانية ومجتمعية، ونشر الوعي الصحي، كما حدث خلال جائحة كورونا. كذلك، ساهمت بعض الحملات الرقمية، في التصدي للحسابات المسيئة، وحققت تفاعلاً ضخماً تجاوز 32 مليون تداول، مما يعكس قدرة التفاعل الرقمي على إحداث تغيير فعلي.

 

دفاع رقمي عن الأوطان

 

في سياقات الأزمات، يستخدم بعض النشطاء ما يُشبه الذباب الإلكتروني للدفاع عن روايات وطنية، والتصدي لهجمات إعلامية مضادة. وقد تشكّل هذه الحسابات أحياناً خط دفاع رقمي أمام حملات تستهدف الأمن والاستقرار، خاصة في الفضاء المفتوح الذي يفتقر في كثير من الأحيان للرقابة المهنية.

 

الوجه المظلم: التضليل والانقسام

 

في المقابل، يشكل الذباب الإلكتروني خطراً داهماً على تماسك المجتمعات واستقرارها. إذ تعتمد هذه الحسابات على تقنيات متقدمة وخوارزميات تسهم في نشر محتوى مثير للغضب أو الخوف، وتغذي “غرف الصدى” التي تكرّس الانعزال الفكري، مما يضلل المستخدمين ويمنح الانطباع بوجود إجماع شعبي زائف.

 

أداة في الحروب السياسية

 

الأزمة الخليجية كانت مثالاً صارخاً على توظيف الذباب الإلكتروني في الصراعات السياسية، حيث تم رصد آلاف الحسابات الوهمية التي نشرت معلومات مضللة وهجومية، بعضها أُدار من دول مثل قطر وتركيا ولبنان والعراق، وفق تقارير تقنية موثقة.

 

صناعة رأي عام مزيف

 

تكمن خطورة الذباب الإلكتروني في قدرته على خلق رأي عام افتراضي، يدفع المستخدمين الطبيعيين للانخراط دون وعي في حملات موجهة. ومن خلال “التصيد العاطفي” والعناوين المبالغ فيها، يتم التلاعب بالمشاعر وتحفيز التفاعل العاطفي على حساب التفكير النقدي.

 

أخلاقيات تحت المجهر

 

يرى أحد الباحثين السياسين أن الظاهرة تمثل “سقوطاً أخلاقياً”، حيث يتم تسخير أفراد للهجوم الشخصي والتشهير، بدلاً من الحوار الهادف. وتتحول منصات التواصل أحياناً إلى ميادين للشتائم بدلاً من النقاش البنّاء.

 

كيف نواجه الذباب الإلكتروني؟

 

التوعية أولاً: حملات التوعية الرقمية، التفاعل مع الحسابات الوهمية يعزز من انتشارها، لذا فإن التجاهل والحظر أحياناً يكونان أنجح وسيلة للرد.

إعلام مهني ومسؤول: الحاجة ملحة لبناء إعلام رقمي يتمتع بالاستقلالية والمهنية، قادر على تقديم محتوى موثوق وفضح الأخبار الكاذبة.

تشريعات رقمية حديثة: يجب تطوير قوانين تجرم إنشاء الحسابات الوهمية ونشر المعلومات المضللة، مع ضمان عدم انتهاك حرية التعبير.

تعاون دولي فعال: الظاهرة عابرة للحدود، مما يستدعي تنسيقاً دولياً، عبر منصات رقابية وأطر قانونية مشتركة لمواجهة الحسابات المضللة.

 

معركة الوعي مستمرة

 

الذباب الإلكتروني ليس مجرد حسابات، بل هو معركة وعينا الجمعي. وبين من يوظفه لبناء الوعي، وآخرين يستخدمونه لخلق الفوضى، يبقى الخيار بيد المجتمعات والمؤسسات: إما الانخراط الواعي في الفضاء الرقمي، أو الوقوع فريسة للبرمجة الموجهة والتضليل المنهجي.

وكما قيل : “الجهود الجماعية قادرة على صناعة التغيير حتى في أكثر البيئات الرقمية تلوثاً.”

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)