- من عمود الاستقرار إلى هامش المعاناة:
الطبقة المتوسطة تُستنزف
هند بومديان
لطالما شكلت الطبقة المتوسطة في المغرب العمود الفقري للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. هي الشريحة التي تعيش بين طرفي نقيض: لا هي فقيرة معدمة، ولا هي غنية مترفة. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت هذه الفئة تعرف تحولات جذرية، تكاد تمحو معالمها وتذيبها في بحر الهموم اليومية وغلاء المعيشة. فهل نحن أمام انقراض تدريجي لهذه الطبقة؟ أم أن الأمر مجرد تحول اجتماعي اقتصادي يفرز ملامح جديدة لمجتمع مغربي متغير؟
الطبقة المتوسطة.. من كانت؟
كانت هذه الطبقة تضم الموظف، المعلم، الإطار، الصيدلي، الحرفي المتعلم، أصحاب المقاولات الصغيرة، وكل من كان دخله يسمح له بتغطية الحاجيات الأساسية، تعليم الأبناء، التداوي، والتفكير في مشاريع صغيرة دون الغرق في الدين أو الفقر.
زمن الأزمة: حين تصبح الكرامة ترفًا
اليوم، أصبح الحديث عن “الطبقة المتوسطة” أشبه بالحنين لزمن مضى. الموظف الذي كان يملك سيارة متوسطة ومنزلًا بسيطًا، أصبح يغرق في القروض لتأمين مدرسة خاصة، أو علاج في مصحة، أو حتى شراء لوازم شهرية. الغلاء المتصاعد، تجميد الأجور، ضعف الحماية الاجتماعية، وارتفاع الضرائب، كلها عوامل دفعت هذه الطبقة نحو الهشاشة.
هل نحن أمام انقراض أم تحول؟
الطبقة المتوسطة لا تنقرض كما تنقرض الكائنات، لكنها تذوب وتتبدل. جزء كبير منها انزلق نحو الفقر، وآخر يحاول البقاء عبر التنازل عن أنماط عيش كانت تعتبر عادية. في المقابل، برزت طبقة جديدة: طبقة استهلاك متناقض، تعيش المظاهر أكثر من الواقع، تقترض لتسافر أو تشتري هاتفًا ذكيا، لكنها لا تملك مدخرات، ولا استقرار مالي حقيقي.
السياسات العامة والمسؤولية الجماعية:
الدولة مسؤولة عن هذا التحول، لأنها لم تحمِ هذه الطبقة من الانزلاق، بل ساهمت في إنهاكها عبر رفع الدعم، وتجميد الأجور، وفرض ضرائب غير عادلة. كما أن غياب إصلاحات تعليمية وصحية عادلة جعل كل أسرة متوسطة تُضطر لتحمّل أعباء الخدمات التي كان من المفترض أن تكون مجانية أو شبه مجانية.
الطبقة المتوسطة في المغرب لا تختفي فجأة، لكنها تتحول بصمت مؤلم. وإن لم تتدارك السياسات العمومية الأمر، فستفقد البلاد ركيزة توازنها، وتفتح الباب على مصراعيه نحو مجتمع منقسم بين القلة المترفة والغالبية المحرومة. فهل نملك الشجاعة لطرح الس
و الأهم: أي مجتمع نريد؟
تعليقات ( 0 )