المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية: انتكاسة حقوقية أم تأميم للرقابة على المال العام؟

✍️ لحسن المرابطي

في خطوة وُصفت من طرف عدد من الفاعلين الحقوقيين والنشطاء بأنها “نكسة تشريعية”، صادقت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب يوم 13 ماي 2025 على مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23، والذي يتضمن مادة مثيرة للجدل – المادة 3 – التي تمنع جمعيات المجتمع المدني من تقديم الشكايات المتعلقة بالفساد المالي ونهب المال العام. هذه المصادقة فتحت الباب لجدل دستوري وقانوني عميق، ليس فقط حول مدى انسجام هذا النص مع المرجعية الدستورية للمملكة، بل أيضاً حول نواياه السياسية وتداعياته على مستقبل الرقابة والمحاسبة.

أولاً: البعد الدستوري – ضرب للمكتسبات

المادة 3 تبدو في تعارض مباشر مع عدة مقتضيات دستورية، في طليعتها الفصل 12 من الدستور المغربي، الذي يقر بدور الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في المساهمة في إعداد وتقييم السياسات العمومية، بما يعزز مبدأ الديمقراطية التشاركية. فمنع هذه الهيئات من تقديم شكايات ضد الفساد يُعد تجريداً لها من إحدى أهم أدوات الفعل المدني: المراقبة والمساءلة.

أكثر من ذلك، فإن الفصل الأول من الدستور يعتبر “ربط المسؤولية بالمحاسبة” أساساً للحكم الديمقراطي. ومن دون إشراك المجتمع المدني في هذا الربط، تصبح المحاسبة حكراً على المؤسسات الرسمية، وهي ذات المؤسسات التي قد تكون في بعض الحالات طرفاً في المخالفات، مما يخلق تضارباً خطيراً في المصالح.

ثانياً: البعد القانوني الدولي – إخلال بالالتزامات الدولية

من الزاوية الدولية، تشكل المادة 3 خرقاً صريحاً للعديد من المواثيق والمعاهدات التي التزمت بها المملكة، وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2003)، التي تنص في مادتها 13 على “تشجيع مشاركة المجتمع” وتمكينه من “التعبير عن آرائه بحرية بشأن السياسات العامة في مكافحة الفساد”.

كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يضمن حرية التنظيم والتبليغ عن الجرائم، بما فيها تلك ذات الطبيعة المالية. وفضلاً عن ذلك، فإن مبادئ باريس (1993) تؤكد على ضرورة دعم أدوار الفاعلين غير الرسميين في رصد انتهاكات حقوق الإنسان، ومن بينها الفساد الإداري والمالي.

ثالثاً: الأثر السياسي – تكريس الانغلاق بدل الانفتاح

رفض وزير العدل كل التعديلات المقترحة من مختلف الفرق البرلمانية، بالرغم من واقعيتها، يكشف عن توجه سلطوي مقلق نحو تضييق الحريات ومركزة القرار. وتوحي المادة 3 بأن هناك إرادة خفية في تحييد المجتمع المدني عن قضايا الفساد، وهو ما قد يُفهم كنوع من “تحصين ضمني” للمفسدين أو على الأقل، تسهيل الطريق نحو الإفلات من العقاب.

رابعاً: الآثار العملية – إفراغ الرقابة من مضمونها

إن حصر الحق في تقديم الشكايات المتعلقة بالمال العام في يد المؤسسات الرسمية فقط، هو بمثابة إغلاق لقنوات التبليغ الشعبي، وتجريد المجتمع من قدرته على المبادرة والضغط. وتجارب كثيرة في المغرب أثبتت أن عدداً من الملفات الخطيرة لم تكن لتخرج إلى العلن لولا تدخل جمعيات المجتمع المدني وفضحها للانتهاكات، خصوصاً حين تصمت المؤسسات أو تتواطأ.

خامساً: هل ما زالت الدولة تعتبر المجتمع المدني شريكاً؟

السؤال الجوهري الذي تطرحه المادة 3 هو: هل ما زالت الدولة تعتبر المجتمع المدني شريكاً في البناء الديمقراطي، أم خصماً يجب تحجيمه؟ الخطاب الرسمي طالما تحدث عن إشراك المجتمع، لكن ما جرى يُظهر تناقضاً صارخاً بين الخطاب والممارسة.

خاتمة: نحو سحب المادة 3 أو تعديلها

من الناحية الدستورية، ومن زاوية المواثيق الدولية، ومن منطق الحكامة الجيدة، فإن الإبقاء على المادة 3 بصيغتها الحالية يمثل تراجعاً خطيراً عن مبادئ الشفافية والمساءلة والمشاركة. ومن ثم، فإن المطالبة بسحب هذه المادة أو تعديلها ليس مجرد مطلب فئوي، بل ضرورة ديمقراطية لضمان احترام الدستور ولصون دور المجتمع المدني كمراقب فاعل ومؤثر.

فالمغرب الذي نريد بناءه هو مغرب العدالة والكرامة، وليس مغرب تحصين الفساد وتجريم الرقابة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)