جامعة الدول العربية: سبعة عقود من الخطابات النارية.. والواقع بلا نتائج

مع الحدث : ذ لحبيب مسكر 

 

يبدو أن العرب يجتمعون فقط كي يثبتوا لأنفسهم أنهم ما زالوا يجتمعون. غداً في الدوحة، ستعقد قمة عربية إسلامية طارئة لبحث تطورات العدوان الإسرائيلي على قطر، قمة تنضاف إلى سجل طويل من اللقاءات التي غالباً ما تنتهي بنفس النتيجة: بيانات حماسية، عناوين قوية، ووعود لا تكتمل. فمنذ تأسيس جامعة الدول العربية قبل ثمانية عقود، ظل السؤال يتكرر: هل الجامعة مؤسسة لصناعة القرارات أم مجرد ماكينة لإنتاج البلاغات؟

 

جامعة الدول العربية تأسست في 22 مارس 1945، حين اجتمعت سبع دول تحت المظلة البريطانية، وكان الهدف المعلن هو تنسيق السياسات وصون استقلال الأعضاء. لكن منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، ظلت المؤسسة أشبه بعملاق سياسي بأقدام طينية، عاجزة عن فرض قرارات ملزمة أو لعب دور فعّال في القضايا المصيرية. فقراراتها لا تملك قوة القانون، والفيتو المتبادل بين الدول الأعضاء يجعل أي إجماع أمراً مستحيلاً.

 

على امتداد تاريخها، انكشفت هشاشة الجامعة في محطات كثيرة: طرد مصر عام 1979 بعد اتفاقية كامب ديفيد، عجزها عن منع غزو العراق للكويت عام 1990، ثم انقسامها الحاد بعد ثورات 2011 بشأن التدخل في ليبيا والموقف من سوريا. وحتى القمم التي رفعت شعارات قوية لم تترجم على الأرض؛ فقمة الخرطوم عام 1967 رفعت “اللاءات الثلاث”، لكن العرب خرجوا من الحرب بهزيمة قاسية، بينما مبادرة السلام العربية سنة 2002 بقيت مجرد وثيقة بلا تنفيذ.

 

الجامعة لم تفشل فقط بسبب الانقسامات، بل لأنها رهنت قراراتها دائماً بحسابات النفوذ والمال. الدول النفطية الكبرى، خصوصاً السعودية وقطر والإمارات، تمول الجزء الأكبر من ميزانيتها، ما جعل استقلالية القرار العربي الجماعي مجرد وهم. أما في علاقاتها مع القوى الكبرى، فقد وصف المفكر عبد الوهاب المسيري الجامعة بأنها لم تكن سوى أداة للسياسة البريطانية أولاً، ثم الأمريكية لاحقاً.

 

ومع ذلك، لم تخل مسيرتها الطويلة من لحظات نادرة حاولت فيها أن تكون فاعلة، مثل المقاطعة العربية لإسرائيل لسنوات طويلة أو الدعم الدبلوماسي للقضية الفلسطينية داخل الأمم المتحدة. لكن هذه النجاحات الجزئية لم تغيّر حقيقة العجز البنيوي.

 

واليوم، وبينما تتهيأ الدوحة لاحتضان القمة الطارئة، تبدو النتيجة معروفة سلفاً: بيانات مطبوخة على نار هادئة، عناوينها محفوظة “نندد، نستنكر، ندين، ونرفض”، أما الأفعال فتظل مؤجلة إلى إشعار غير مسمى. وكأن جامعة الدول العربية، بعد سبعة عقود من الاجتماعات، لم تتقن سوى لغة البلاغات، فيما الواقع يزداد قسوة يوماً بعد يوم.

 

 

 

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)