مع الحدث : ذ لحبيب مسكر
في مثل هذا اليوم من السادس من أكتوبر سنة 1973، الموافق للعاشر من رمضان، اندلعت حرب أكتوبر بين مصر وسوريا من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، في واحدة من أهم الحروب التي شهدها الشرق الأوسط في القرن العشرين. جاءت هذه المواجهة بعد مرور ست سنوات على حرب يونيو 1967 التي انتهت بهزيمة الجيوش العربية واحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية والقدس الشرقية، ما دفع القاهرة ودمشق إلى الإعداد الطويل لاستعادة الأراضي المحتلة وإعادة التوازن إلى المنطقة.
في مصر، بدأ التحضير للحرب منذ نهاية حرب الاستنزاف التي أطلقها الرئيس جمال عبد الناصر عام 1968، قبل أن يتولى الرئيس أنور السادات قيادة البلاد ويضع خطة محكمة تعتمد على عنصر المفاجأة، فتم اختيار يوم عيد الغفران اليهودي، أحد أكثر الأيام قداسة في إسرائيل، موعدًا للهجوم المشترك مع الجيش السوري.
في تمام الساعة الثانية من ظهر يوم السادس من أكتوبر، شنت القوات المصرية والسورية هجومًا متزامنًا على الجبهتين. في الجبهة المصرية، نفذت الطائرات الحربية ضربات دقيقة ضد المواقع الإسرائيلية شرق قناة السويس، قبل أن تبدأ القوات في العبور مستخدمة مضخات المياه لاختراق الساتر الترابي المعروف بخط بارليف. تمكنت القوات المصرية خلال ساعات من تثبيت مواقعها شرق القناة والتقدم داخل سيناء لمسافة تجاوزت العشرين كيلومترًا. وفي الجبهة السورية، تقدمت الوحدات العسكرية نحو الجولان، حيث تمكنت من اختراق الدفاعات الإسرائيلية والوصول إلى مشارف بحيرة طبريا.
شكل الهجوم المفاجئ صدمة كبيرة لإسرائيل، التي وجدت نفسها في موقف دفاعي خلال الأيام الأولى من الحرب. وتدخلت الولايات المتحدة بسرعة لدعمها بجسر جوي عسكري ضخم، في حين قدم الاتحاد السوفيتي مساعدات لمصر وسوريا. ومع تطور العمليات، قررت القيادة المصرية تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، لكن العملية واجهت مقاومة عنيفة أسفرت عن ما عرف بثغرة الدفرسوار، حيث تمكنت القوات الإسرائيلية من العبور إلى الضفة الغربية للقناة ومحاولة تطويق الجيش الثالث المصري.
استمرت المعارك حتى الرابع والعشرين من أكتوبر، حين أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا بوقف إطلاق النار، لتنتهي الحرب بعد ثمانية عشر يومًا من القتال العنيف. وعلى الرغم من الخسائر التي تكبدها الطرفان، فإن النتائج كانت ذات أثر سياسي وعسكري كبير، إذ استعادت مصر سيادتها على قناة السويس وأعيد فتحها للملاحة عام 1975، وتم استرجاع سيناء تدريجيًا عبر المفاوضات التي توّجت باتفاق كامب ديفيد سنة 1978، كما استعادت سوريا مدينة القنيطرة ضمن اتفاق فصل القوات عام 1974.
تجاوز تأثير الحرب البعد العسكري، إذ استخدمت الدول العربية سلاح النفط كورقة ضغط على الدول الداعمة لإسرائيل، مما تسبب في أزمة طاقة عالمية غير مسبوقة. كما أعادت الحرب رسم خريطة التحالفات في المنطقة وأثبتت أهمية التخطيط والجاهزية والتنسيق بين الجيوش العربية.
وبعد مرور أكثر من نصف قرن، تظل حرب أكتوبر 1973 محطة بارزة في التاريخ العربي الحديث، وحدثًا أعاد صياغة موازين القوى في الشرق الأوسط، ورسخت في الذاكرة الجماعية صورة لجيوش استطاعت أن تثبت قدرتها على المبادرة وتغيير مجرى الأحداث في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية وتقلبًا.
تعليقات ( 0 )