مع الحدث: ذ. لحبيب مسكر
في المغرب، تظهر في الحياة اليومية أعطاب مؤسساتية واجتماعية تسمح بتغلغل ممارسات غير سليمة داخل المؤسسات ، ما يؤثر على ثقة المواطن في الإدارة والعدالة والتنمية. هذه الأعطاب ليست مجرد تصرفات فردية، بل تشكل حلقة مفرغة تُنتج الريع والفساد والرشوة، وتستمر عبر الأجيال ما لم يتم التصدي لها بجدية.
الريع لم يعد مقتصرًا على الموارد أو الامتيازات، بل أصبح نمط تفكير يهيمن على توزيع الفرص والمنافع بعيدًا عن الكفاءة والاستحقاق. هذا الواقع يولد شبكات مستفيدة تحافظ على الوضع القائم، فتتنامى ثقافة الاتكالية وتضعف روح المبادرة والإبداع، كما تتخذ مظاهر خفية من استغلال المساطر والإجراءات القانونية لمواجهة الانتماءات والواسطات الأسرية والقبلية والنفعية.
الفساد ليس تصرفًا فرديًا فقط، بل له قواعد وآليات واضحة. عندما يرى الشباب أن النجاح مرتبط بالانتماءات والوساطات وليس بالاستحقاق، تنتشر الممارسات غير النزيهة ويصبح احترام القانون استثناءً. الرشوة تتحول إلى ممارسة يومية تعيق الأداء المؤسسي وتغيب المصلحة العامة لصالح المصالح الشخصية.
وفي هذا السياق، تنتشر الشعبوية كبديل زائف، مستغلة خيبة الأمل لتقديم نفسها كصوت الشعب، لكنها تركز على العواطف بدل العقل وتستبدل الحلول الواقعية بالوعود العامة، فتظل النقاشات سطحية ويستمر المجتمع في دورة الغضب دون تحقيق حلول ملموسة.
كسر هذه الحلقة ممكن، ويحتاج إلى عملية متكاملة أفقياً وعمودياً: الإرادة السياسية الصادقة تُعطي المثال في النزاهة والشفافية وتطبق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. عندما يشعر المواطن بمحاكمة كبار المسؤولين بجدية، تتولد الثقة وتصبح مكافحة الفساد واقعًا ممكنًا. في الوقت نفسه، يجب أن يبدأ البناء من الأسفل، عبر التربية على المواطنة، إصلاح التعليم، وترسيخ قيم الاستحقاق والمسؤولية في المجتمع. المواطن الواعي والفاعل هو الضمانة الأولى لبناء مؤسسات رصينة قادرة على الصمود أمام التجاوزات.
معركة الإصلاح في المغرب إذن مزدوجة: إرادة حازمة لتطبيق المسؤولية والمحاسبة، وجهد مجتمعي متجدد يرفض ثقافة الريع والرشوة واللامبالاة. بدون هذا التلاقي، سيظل البلد أسير حلقة مفرغة تنتج الفساد والمغالطات جيلاً بعد جيل.
الخروج من هذه الحلقة يتطلب شجاعة جماعية في مواجهة الذات وانخراطًا يوميًا في مشروع وطني يضع النزاهة والكفاءة فوق كل اعتبار، ويعيد الثقة للمواطن في مؤسسات الدولة، ويحقق مغرب العدالة والتنمية المتوازنة.
تعليقات ( 0 )