مع الحدث متابعة: لحبيب مسكر
في وقت تشهد فيه خريبكة موجة حر خانقة، وجد السكان أنفسهم في مواجهة أزمة مياه حادة تفاقمت بشكل مقلق. فالانقطاعات المتكررة، والتي باتت شبه يومية، تحولت إلى كابوس يؤثر على تفاصيل الحياة اليومية، وسط صمت رسمي وغياب لأي توضيحات مقنعة من الجهات المعنية.
بلاغات متضاربة وواقع أكثر مرارة
رغم صدور بلاغ رسمي عن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب يُعلن فيه عن انقطاع المياه ابتداءً من الساعة السادسة مساءً، تفاجأت الساكنة بانقطاع فعلي بدأ منذ الساعة الثانية زوالاً، في خرق صارخ للموعد المعلن. ووفقًا للبلاغ، كان من المفترض أن يُستأنف التزويد صباح اليوم التالي في حدود الساعة السادسة، إلا أن الماء ظل مقطوعًا لأكثر من 24 ساعة، ما زاد من حالة الاحتقان الشعبي.
غضب في الأحياء واحتجاجات صامتة
“العطش ذلّ”، يقول محمد، أحد سكان حي القدس، متسائلًا بمرارة: “إلى متى نتحمل هذه الإهانات؟ شراء مياه الشرب ليس مشكلة، لكن ماذا عن الاستحمام، التنظيف، وحتى قضاء الحاجة؟”. تصريحات تعكس واقعًا مُزريًا، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة التي ترفع الحاجة إلى الماء بشكل ملحّ.
الصيف.. فصل المعاناة المتكررة
الانقطاعات لا تأتي فرادى، بل تزداد خلال فصل الصيف، لتتحول من أزمة عرضية إلى نمط يومي للعيش. عائلات بأكملها لجأت إلى تخزين الماء في قنينات وأوانٍ بلاستيكية غير صحية، بينما انتعشت ظاهرة اقتسام مياه الصهاريج، والتي لا تصل إلا لأحياء محدودة وبكميات غير كافية.
تقول فاطمة، ربة بيت وأم لثلاثة أطفال: “حتى تدبير الحلول البديلة أصبح رفاهية. لا أحد يخبرنا متى ستعود المياه، ولا كيف نتدبر أمورنا في ظل هذا التهميش”.
“الأولوية لجهات معينة؟”
في خضم هذا الغضب الشعبي، بدأ البعض يلمّح إلى أن هناك جهات اقتصادية كبرى تُمنح الأولوية في التزود بالماء، في وقت يُترك فيه المواطن البسيط يُصارع العطش.
يقول سعيد، من سكان حي البيوت: “كيف يُعقل أن تنقطع المياه عن أحياء بأكملها، بينما بعض الوحدات الصناعية القريبة لا تتأثر؟”. مضيفًا: “إذا كانت الأولوية للأنشطة الإنتاجية على حساب حياة الناس، فنحن أمام خلل أخلاقي قبل أن يكون تقنيًا”.
هذه التساؤلات تعكس أزمة ثقة تتنامى بين السكان والمؤسسات، في ظل غياب الشفافية وغياب تواصل جاد يطمئن المواطنين ويشرح الأسباب الحقيقية للأزمة.
أين الخلل؟ ومن يتحمل المسؤولية؟
يتساءل المواطنون عن الجهة التي تتحمل مسؤولية هذه الأزمة المتكررة: هل الأمر ناتج عن تهالك الشبكة المائية؟ أم سوء تدبير وتخطيط؟ أم عجز عن مواكبة التوسع السكاني والعمراني الذي تعرفه المدينة؟
ورغم المسؤولية القانونية التي تقع على عاتق المكتب الوطني للكهرباء والماء، إلا أن استمرار الوضع على ما هو عليه دون تدخل حقيقي زاد من غضب الساكنة، التي طالبت بتحقيق جدي لمحاسبة الجهات المقصّرة.
مطالب السكان تلخّص حجم الغضب
شفافية كاملة في مواعيد الانقطاعات وبلاغات دقيقة تُحترم.
إصلاحات فورية في شبكة التوزيع وتوسيعها.
تعويض المتضررين عبر صهاريج مجانية ومنتظمة في الأحياء الأكثر تضررًا.
تحقيق محايد لتحديد مكامن الخلل وتقديم إجابات واضحة للرأي العام.
معركة العطش.. خريبكة في قلب الأزمة
في الوقت الذي تتجه فيه دول العالم إلى سنّ سياسات استباقية لمواجهة أزمة الماء، يبدو أن مدينة خريبكة تُترك وحدها لمواجهة قدرها، دون خطط طوارئ أو تحرك استباقي حقيقي.
ويبقى السؤال المؤلم الذي يتردد على ألسنة السكان: هل كُتب علينا أن نحيا في بلد الماء بلا ماء؟
تعليقات ( 0 )