سنة 2021: السعودية تعيش مرحلة التعافي الإقتصادي والمجتمعي بعد الجائحة
● الرياض – مع الحدث :
(نورالدين بوشيخي+و.م.ع)
جهود مكافحة كورونا آتت أكلها في السعودية هذا العام، الأرقام مستقرة عند معدلات منخفضة، وهو أمر يعبر عن إجراءات احترازية صارمة والتزام مجتمعي واع، أدى إلى معادلة التفوق في التصدي للجائحة.
فقد أثمرت استراتيجية السعودية الوقائية والاستباقية عودة كاملة للحياة الطبيعية، بعد رفع القيود التي فرضت طوال شهور استجابة لتحديات (كوفيد – 19). وأسهمت الحملة المنظمة والممنهجة لتوزيع اللقاحات المعتمدة والمجانية لكل من يقطن البلاد، بالتزامن مع التدابير المتخذة منذ اللحظة الأولى لحلول الجائحة، في تحقيق التحصين بنسبة 70 في المائة من المجتمع، وعودة الكثير من مظاهر الحياة المعفاة من قيود “كورونا” إلى الفضاءات الاجتماعية المفتوحة داخل السعودية، مع استمرار العادات الصحية الشخصية التي من شأنها تحقيق التعافي الكامل من أي خطر محتمل.
وساعدت هذه المقاربة في إعادة تفعيل وتشغيل البرامج المتصلة بنمط الحياة الجديدة في السعودية، من ذلك، معرض الرياض الدولي للكتاب بعد تأجيله العام الماضي نتيجة الجائحة، ليستأنف من جديد، بمساحة أكبر ومشاركة أكثر من ألف دار عربية وأجنبية من بينها أربع دور نشر مغربية، ووفد إليه قرابة مليون زائر، فيما حل العراق ضيف شرف على المعرض، وتضمنت مشاركته أمسيات فنية وشعرية وفكرية متنوعة، وكان المعرض في شكله وروحه الجديدة، أكثر ألقا وثراء.
وشهد معرض الرياض الدولي للكتاب تكريم الكاتب والشاعر المغربي حسن نجمي من قبل منتدى الجوائز العربية، من ضمن ثمان شخصيات ثقافية وأدبية عربية. ومن خلال هذه الإلتفاتة، كرم المنتدى جائزة الأركَانة العالمية للشعر التي يشرف نجمي على أمانتها العامة، جائزة بيت الشعر في المغرب.
ومن مظاهر العودة الكاملة للحياة الطبيعية في السعودية، احتضان الرياض منتدى “مبادرة السعودية الخضراء” وقمة “مبادرة الشرق الاوسط الأخضر” حضوريا لأول مرة منذ تفشي الجائحة، بمشاركة عدد من قادة دول الشرق الأوسط وأفريقيا ورؤساء حكومات، من بينهم رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش الذي مثل صاحب الجلالة الملك محمد السادس في هذه القمة.
واتفق القادة المشاركون في قمة “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”، على أهمية العمل سويا لوضع خارطة طريق إقليمية، ومنهجية عمل لمواجهة التحديات البيئية المشتركة.
وقد شهدت الجهود السعودية حراكا تحفيزيا واسعا للإقتصاد الوطني منذ ظهور أولى حالات جائحة “كورونا” في البلاد، إذ أفرزت سياسات مالية ونقدية عززت الحد من انتشار الفيروس واتخاذ التدابير الوقائية، وأعد البنك المركزي السعودي برنامجاً تصل قيمته إلى نحو 50 مليار ريال (حوالي 13.33 مليار دولار)، يستهدف دعم القطاع الخاص وتمكينه من القيام بدوره في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال حزمة من الإجراءات تتضمن دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة.
ورغم استمرار تداعيات “كورونا” العالمية، أكدت السعودية رحلة التعافي من الجائحة بإسدالها الستار عن مشاريع كبرى، حيث أعلنت في يناير الماضي عن مشروع (ذا لاين) الذي يمثل أيقونة للمدينة العالمية الحضرية صديقة البيئة خالية الانبعاث الكربوني، كما تم في ذات الشهر إعلان استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة للسنوات الخمس المقبلة الهادف إلى تحقيق أصول بقيمة 4 تريليونات ريال (1.06 تريليون دولار)، واستحداث 1.8 مليون وظيفة في أفق عام 2025.
كما أعلنت السعودية قرارها بإيقاف التعاقد الحكومي مع الشركات الأجنبية بلا مقر إقليمي رئيسي في المنطقة مركزه المملكة، حيث تسابقت الشركات العالمية إلى إعلان الرياض مقرا رئيسيا لأعمالها الإقليمية بلغ عددها حتى أكتوبر الماضي 44 شركة.
لقد ظهر جليا من خلال البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة للعام المالي 2022، أن الاقتصاد السعودي لم يتأثر بشكل بالغ بالجائحة، وأنه استعاد عافيته، في وقت ما زال العديد من دول العالم غير قادر على معالجة الآثار الصحية والاقتصادية المترتبة على الجائحة، وهذا يعود أيضا إلى الدعم الكبير الذي حصلت عليه وزارة الصحة الذي بلغ نحو 50 مليار ريال (حوالي 13.33 مليار دولار) خلال الجائحة إضافة إلى 79 مليار ريال (نحو 21 مليار دولار) معتمدة في الميزانية العامة لعام 2021 بنمو بلغ 7.8 في المائة عن ميزانية عام 2020.
وفي هذا الإطار، تم في الشهر الماضي، الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي تعد من الآليات الرئيسية لتنويع مصادر الدخل ورفع إسهام القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65 في المائة، وتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر، وزيادة نسبة الصادرات غير النفطية إلى 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
وكرس المسار التنموي في السعودية الثقة باقتصادها. وكان من الطبيعي أن تقوم وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني بتثبيت تصنيف الإقتصاد السعودي عند” – A “مع نظرة مستقبلية مستقرة.
ويبقى النمو محورا رئيسا لأي اقتصاد، حيث توقعت “ستاندرد آند بورز” نموا إيجابيا لاقتصاد البلاد في العام الجاري، وتراجعا متوقعا للعجز من الناتج إلى 4.3 في المائة. كما أن النمو المتوقع في الفترة ما بين 2021 و2024 سيصل وفق التوقعات إلى 2.4 في المائة.
وفي عز الأزمة التي خلفتها جائحة كورونا عالميا، اعتبرت، من جهتها، “موديز” الوكالة الدولية للتصنيف الائتماني أن السعودية واجهت الظروف والأزمات الاستثنائية التي يشهدها العالم من موقع قوة، ولا سيما القوة المالية التي تتمتع بها البلاد والتي تساعدها على مواصلة النمو ومواجهة التحديات، مما يؤكد أن الوضع الاقتصادي السعودي كان متماسكا حتى إبان الأزمة الصحية التي ضربت العالم.
مسار الإقتصاد السعودي في كل المراحل والظروف يسير وفق الأسس التي تم وضعها من قبل مسؤولي البلد، الساعين إلى استكمال مشاريع رؤية 2030 وفق البرامج المحددة لها، وبالتالي لم يكن غريبا، أن الحساب الجاري سيسجل ،وفق وكالة التصنيف الدولية، 3.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021. لكن يبقى المحور الرئيسي في نمو الاقتصاد السعودي، هو أن السعودية حققت إنجازات مهمة على صعيد تنويع مصادر الدخل الوطني، فتجاوزت نسبة نمو القطاع غير النفطي الـ5 في المائة، ما حقق توازنا اقتصاديا فريدا تغلب على الأضرار والخسائر الناجمة عن تراجع أسعار النفط نتيجة الالتزام بأسقف الإنتاج المحدد من قبل “أوبك +”، وما تسببت فيه جائحة كورونا من تعثر بعض القطاعات الاقتصادية.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق