في ذكرى رحيله.. عبد الرحمن اليوسفي: رجل الدولة الذي جمع بين النضال والمعقولية

مع الحدث

المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر 

 

تحلت أمس الذكرى الخامسة لرحيل أحد أبرز رجالات الدولة في المغرب الحديث، عبد الرحمن اليوسفي، الذي وافته المنية في 29 ماي 2020 بمدينة الدار البيضاء عن عمر ناهز 96 سنة، تاركًا خلفه إرثًا سياسيًا ووطنيًا كبيرًا، يصعب اختزاله في مجرد سيرة شخصية.

 

ولد عبد الرحمن اليوسفي في 8 مارس 1924 بمدينة طنجة، ونشأ في كنف أسرة بسيطة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في طنجة، قبل أن يتجه إلى فرنسا لدراسة القانون والعلوم السياسية، حيث حصل على شهادة جامعية مكنته من خوض غمار المحاماة والدفاع عن قضايا الحرية والاستقلال.

 

انخرط اليوسفي في سن مبكرة في صفوف الحركة الوطنية، وكان أحد أبرز وجوه حزب الاستقلال قبل أن يشارك في تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي سيصبح لاحقًا أحد أعمدته التنظيمية والفكرية.

 

برع اليوسفي في المحاماة، وترافع لصالح العديد من المعتقلين السياسيين والمناضلين، مما جعله من الأصوات الحقوقية البارزة في فترة الخمسينيات والستينيات، سواء داخل المغرب أو في المنفى.

 

رئاسة الحكومة.. انتقال تاريخي نحو التناوب

 

في سياق سياسي دقيق، وبعد سنوات من المعارضة، تم تعيين عبد الرحمن اليوسفي وزيرًا أولًا سنة 1998 في إطار ما سمي بـحكومة التناوب التوافقي، وهي خطوة سياسية تاريخية سمحت بانتقال سلس للسلطة من طرف القصر إلى المعارضة لأول مرة.

 

خلال فترة رئاسته للحكومة الممتدة إلى 2002، عمل اليوسفي على إرساء مبادئ الشفافية، واستقلال القضاء، وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، إلى جانب إصلاحات اقتصادية وهيكلية مهمة رغم التحديات الدولية والإقليمية.

 

ومن أبرز إنجازاته إطلاق برنامج الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي كان حجر الأساس لإصلاح التعليم، إضافة إلى إقرار إصلاحات إدارية وهيكلية في تسيير الشأن العام.

 

كان اليوسفي من الداعمين الرئيسيين لهيئة الإنصاف والمصالحة التي شكلت لحظة مفصلية في تاريخ العدالة الانتقالية بالمغرب، وساهمت في ترسيخ ثقافة الاعتراف والانفتاح على الماضي. وقد ظلت مواقفه متسقة مع مبادئه في العدالة، والحوار، والوحدة الوطنية.

 

في صبيحة 29 ماي 2020، أُعلن عن وفاة عبد الرحمن اليوسفي بمستشفى الشيخ خليفة بالدار البيضاء، بعد وعكة صحية ألمّت به. وقد حضر جنازته ممثل عن الملك محمد السادس، في تكريم رسمي نادر يعكس مكانته الخاصة في وجدان الدولة والمجتمع المغربيين.

 

في الذكرى الأولى لوفاته، أطلق اسمه على مؤسسة تعليمية كبرى في الدار البيضاء، كما قررت الدولة إصدار طابع بريدي يحمل صورته، وهي التفاتة رمزية تجسد الاحترام الكبير الذي حظي به من مختلف مكونات الطيف السياسي.

 

لا يُذكر عبد الرحمن اليوسفي دون استحضار مفاهيم الوطنية الصادقة، والنزاهة، والتواضع. رجل قضى عمره بين القاعات الدراسية، وساحات المحاكم، وزنازين النضال السياسي، ثم دهاليز الحكم، لكنه خرج منها جميعًا نظيف اليد والسريرة.

 

رحل اليوسفي، لكن دروسه في التوافق والحكمة ما تزال مرجعًا لكل من يسعى إلى مغرب ديمقراطي، متماسك وعادل.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)