حسيك يوسف
قرار لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية، التابعة للجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، القاضي بسحب بطاقة الصحافة من مدير نشر موقع “الجديدة إكسبريس” لمدة سنة، يعيد إلى الواجهة النقاش العميق حول مسؤولية الصحافي وحدود حرية التعبير في زمن التحولات الرقمية وتكاثر المنصات الإلكترونية.
القرار، الصادر في 10 أكتوبر 2025، جاء بناءً على بث الموقع لشريط مصور يتضمن دعوة صريحة إلى العنف والقتل، فضلاً عن نشر صور وتصريحات لقاصرين، في خرق واضح لمقتضيات ميثاق أخلاقيات المهنة، خاصة ما يتعلق بحماية الأطفال واحترام كرامتهم، ومنع أي تمجيد للعنف أو التحريض عليه.
من الناحية المهنية، يُعد هذا القرار خطوة حازمة تؤكد أن حرية الصحافة لا تعني الفوضى، وأن الممارسة الإعلامية تخضع لضوابط أخلاقية صارمة تهدف إلى حماية المجتمع من خطاب الكراهية والعنف، وصون كرامة الأفراد، خصوصاً الفئات الهشة كالقاصرين. فالإعلام، في جوهره، رسالة تنوير ومسؤولية تربوية قبل أن يكون وسيلة لجذب المشاهدات أو الإثارة.
في المقابل، يطرح هذا القرار أيضاً أسئلة دقيقة حول التوازن بين الردع والتقويم، وبين العقوبة والحق في التصحيح. فهل العقوبة كافية لردع الممارسات غير الأخلاقية المتنامية في بعض المنابر الرقمية؟ أم أن المشكل أعمق ويتطلب إعادة تأهيل حقيقي للفاعلين في المجال عبر التكوين والمواكبة المستمرة؟
كما أن هذه الواقعة تضع أمام المجلس الوطني للصحافة تحدياً إضافياً يتمثل في ضرورة ضبط المشهد الإعلامي الإلكتروني الذي يشهد تزايداً غير مسبوق في عدد المواقع، بعضها يشتغل دون تكوين مهني كافٍ أو وعي بأخلاقيات النشر.
في النهاية، يبرز قرار سحب البطاقة كرسالة واضحة مفادها أن الصحافة، وإن كانت سلطة رابعة، فهي أيضاً مهنة لها حدود ومسؤوليات. وأن ممارسة حرية التعبير يجب أن تظل منسجمة مع قيم المواطنة، وواجب حماية الفئات الهشة، والالتزام بالموضوعية والاحترام التام للقانون وأخلاقيات المهنة.
إنه درس مهني بقدر ما هو إنذار أخلاقي، يعيد التأكيد على أن الصحافة في المغرب، لتبقى حرة، يجب أن تبقى مسؤولة.
تعليقات ( 0 )