قصة قصيرة:أم لنفسها

ديسمبر16,2020
أشعار عن فقدان الأم

بقلم حسناء مندريس

إهداء:
إلى كل من يحمل في قلبه ذرة من الانسانية
إلى روح أمهات اختطفتهن الموت وتركن خلفهن صغارهن
إلى كل طفل أجبرته الظروف أن يكون أما لنفسه
إلى أمنياتي المفقودة في زمن الخداع

أم لنفسها
كانت النساء جالسات على الطاولات في انتظار البدء في الأكل صمت مطبق هدوء بعد ثرثرة لا أذكر كم دامت، لتنطق إحداهن بعمر السبعينيات آمرة طفلة بعمر الخمس سنوات قائلة: هيا اذهبي للجلوس هنالك بجانب رفيقتك في الدراسة، شيء ما جعلني أتابع تصرفات الطفلة، كانت جميلة ومهذبة وملامح الحزن تكتسي محياها، تسللت من مكاني وأجلست غيري فيه، لتكون فرصة وأجلس بجانب الطفلة، كنت أراقبها باستمرار كانت تأكل بهدوء تام، وبطريقة بطيئة، آمرتها أن تأكل بطريقة جيدة والا تخجل، لهنيهة ساءلتها: دونما أن يدري أحد بنا هل تلك المرأة أمك؟ أجابتني كلا إنها جدتي، لتلتقط حديثنا إحدى النساء اللواتي كنا بجانبي، فأسرعت مستفسرة قائلة: وأين أمك؟ أجابتها الصغيرةبكل جرأة ومرارة وتحدأمي ماتت، صمت خيم عني وعلى الحضور، لتمتزج المرارة بالألم باللقمة في حلقي، غصة أحسستها تمنيت لو أن وقاحة المرأة لن تدفعها للاستفسار عن أم الصغيرة ، المهم كان وتذكرت جيدا حديث خالتي عن أم الطفلة،كم كانت جميلة، وكانت تشتغل مهندسة معمارية، وأثناء ذهابها الى عملها منذ سنتان خلتا، ماتت المرأة إثر حادثة سير برفقة صغيرها الذي من سوء حظه أنها أخذته ذاك اليوم السيء ليؤنس وحدتها، بعد الحادث تزوج الاب مباشرة بواحدة أوهمته أن تكون أما بديلة لبناته الثلاث، حملت المرأة وما ان وضعت حملها حتى لاذت بالفرار، طالبة الزوج بالانفصال عن بناته الصغيرات، هن الآن دون أم ودون أب هن أمهات أنفسهن وهن أباء أنفسهن، وأنا متشردة بفكري بين الحياة والموت أريد تقمص دور الأم للحظة خاطفة، و قد تنسج منها الصغيرة بعدي حكايات قصة قد تطول عبر ذاكرتها لسنين، أنزلت رأسي اتجاه الصغيرة مستفسرة إياها قائلة: ما اسمك؟ فأجابتني الصغيرة قائلة: اسمي كوثر. فقلت لها: اسمك اسم جميلل، فرحت الطفلة بعض الشيء، وفرحت أنا لأنني قمت بدور المهرج وأتقنته وكان كل همي أن أبعد الحزن عن الطفلة والدموع من عيونها، و أن أبعد غصة الألم من حلقي، وتوفقت وواصلت كلامي للصغيرة بسؤال استنكاري، أتدرين أن أمك لم تمت بل هي في السماء تنظر اليك وتراقب صبرك وحبك للحياة ولامك؟!، تبسمت الطفلة وتبسمت أنا لأنني أتقنت دوري، واستفسرتها بطريقة لطيفة مخاطبة إياها:ما اسم أمك؟ أجابتني :مثل اسمك، حسناء_ تجهم وجهي وعلمت أنها لعبة القدر مع كل حسناء، عدت لأتقمص دور المهرج من جديد في تصنع ابتسامة وفرح مزيفان أمام الصغيرة ،وأنا منذ اليوم سأكون مثل أمك وأعدك بصداقتي، فرحت الصغيرة بكلامي وبصداقتي، لهنيهة ومباشرة بعد انتهاء الأكل ،قفزتالجدة من مكانها وطالبت الصغيرة بالرحيل. ودعتني وماودعتها وعيناها مشروع دموع وغصة الألم لم تفارقني،وضعت الطفلة يدها في يد جدتها،الا أن رأسها استدارته للخلف، عيونها محدقة في، تتوسلني بنظراتها ألا أتخلى عنها، صمت يطبق عني، حزن يعتريني من رأسي حتى أخمص قدمي، ارتحلت أنا أيضا من المكان، وعدت أدراجي لبيتي ،لكنني لم أعد هذه المرة وحيدة،فقد حملت معي قلب طفلة أحبتني بصدق، قد لا أراها مرة ثانية لصعوبة الموقف الا أننا امتلكنا بعضنا البعض…

 

اقرأ المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *