مساجد تحولت إلى كنائس…
إن من يتتبع الأحداث التاريخية يجد أن الغرب قد مارس انتهاكات لا حصر لها ضد المسلمين وضد مقدساتهم، وذلك للحد من المد الإسلامي عن طريق ما يسمونه بالتطهير العرقي تارة، وتارة أخرى عن طريق تعمد الغرب إذلال المسلمين ليقينهم أن الدين الإسلامي ومُقدساته هم أعز ما يتمسك به المسلم مهما كانت درجة إيمانه ومهما كان التزامه .
في عام 1492م فقد المسلمون آخر معاقلهم في إسبانيا وبحلول عام 1502م أصدر الحكام المسيحيون قراراً بتنصير المسلمين، وعندما أخفقوا في ذلك مارسوا ضد المسلمين هناك انتهاكات ربما لم تشهدها البشرية من قبل، يكفيك أن تعرف أنه في “مدينة آبله” تم حرق 113 مسلم في أقل من ثلاث سنوات في الفترة من عام 1499م وحتى عام 1502م، وفي طليطلة أعدم بالموت حرقاً 1200 شخص في جلسة واحدة. أما بالنسبة للانتهاكات ضد مساجد المسلمين ومقدساتهم فحدث ولا حرج.
قام المؤرخ وباحث الآثار التركي المعروف محمد أمين يلماز برحلة استكشافية طويلة في الأراضي التي كانت تحكمها الدولة العثمانية فاكتشف يلماز أن 329 مسجداً وأثراً معمارياً عثمانياً جرى تحويلها إلى كنائس، وذلك في 18 دولة.
أولاً: نماذج لانتهاك الغرب لمساجد داخل أوروبا
سنعرِّج هنا على بعض المساجد التي تم انتهاك قدسيتها من قبل الغرب وقاموا بتحويلها إلى كنائس ليس لحبهم في العبادة ولا لشدة احتياجاتهم إلى ذلك ولكن نكاية في المسلمين وإمعاناً في إذلالهم.
1- مسجد قرطبة الكبير
تم بناء جامع قرطبة الكبير خلال قرنين من الزمان حيث أمر الملك أبو عبدالله محمد الأول بن الأحمر بتشييد مسجد قرطبة الكبير وذلك عام 784م، وافتتحه الأمير عبدالرحمن الثالث عام 987م.
في عهد محمد بن أبي عامر المنصور في عصر الأمير هاشم المؤيد تمت توسعة الجامع فأصبحت مساحته 22500 م2، أي خمسة أفدنة.
كان جامع قرطبة الكبير مركزاً فكرياً هاماً حيث احتوى على مدرسة وعلى مكتبة ضخمة تضم نحو 400000 مخطوطة مُجلدة بالجلد القرطبي المُزخرف وضعت في متناول الدارسين بالجامع.
يُعد جامع قرطبة من أشهر مواقع الدين الإسلامي في الغرب خلال فترة حكم الأمويين في القرنين العاشر والحادي عشر.
في عام 1003م تعرّض مسجد قرطبة للنهب، بعد أن ترك الناس قرطبة، نتيجة القتال الذي نشب بين محمد المهدي وبين سليمان بن الحكم، وفي أوائل عام 1236م اجتاح قساوسة قرطبة ما فيها من مساجد وقصور.
في 29 يناير 1236م استولى فرناندو الثالث إل سانتو على مدينة قرطبة. كما تم تخصيص المسجد الكبير، في السنة نفسها، لممارسة الطقوس المسيحية، فأدخلت عليه عدة تعديلات وتغييرات ثم تم تحويل المسجد إلى كاتدرائية سيدة الانتقال “مريم العذراء“.
يعتبر جامع قرطبة أحد أبرز أمثلة الهندسة الأندلسية، وأضيف إلى لائحة اليونيسكو للتراث العالمي عام 1984م.
يقول ابن زيدون في أبياتٍ تشعّ حنيناً، لمدينته الأثيرة قرطبة:
أَقُرْطُبةُ الغَرَّاءُ هل فيكِ مَطْمعُ؟ ** وهل كَبدٌ حرَّى لبَيْنِكِ تُنْقَعُ؟
وهل للياليكِ الحميدةِ مَرْجِعُ ** إذِ الحسنُ مرأًى ـ فيكِ ـ واللهوُ مَسْمَعُ.
ويقول الشاعر القرطبي الفقيه بن عطيّة الأندلسي:
بأربعٍ فاقتِ الأمصارَ قرطبةٌ ** هي قنطرة الوادي وجَامعُها
هاتان ثنتان والزّهراءُ ثالثةٌ ** والعِلمُ أعظمُ شيءٍ وهو رابعُها
منذ أوائل عام 2000م، قام المسلمون الأسبان بممارسة ضغوط على الكنيسة الكاثوليكية الرومانية للسماح لهم بالصلاة في الكاتدرائية. ولكن تم رفض الاستجابة لهذه الضغوط، سواء من قبل السلطات الكنسية في إسبانيا أو من قبل الفاتيكان.
2- مسجد ابن عديس في إشبيلية
يعتبر مسجد ابن عديس أقدم مؤسسة إسلامية في إشبيلية، ولكنه تحول لاحقاً إلى (الكنيسة المجمعية) والمشهورة إلى يومنا هذا باسم “كنيسة السلفادور“.
تأسس مسجد ابن عديس في عام 214 هـ / 830م حيث كلّف عبد الرحمن الأوسط القاضي محمد بن عمر بن عديس بالإشراف على عملية البناء.
تم حرق مسجد بن عديس عام 220هـ (836م) على يد النورمان الذين غزو مدينة اشبيلية.
شهد مسجد ابن عديِّس عدة ترميمات بعد ذلك، ويذكر أنه قد تم إعلان خبر انتصار جيوش المرابطين والأندلسيين في موقعة الزلاقة الشهيرة من مئذنة مسجد بن عديس وذلك عام 1086م، كما شهد المسجد تكبير وتهليل المسلمين بعد هزيمة قوات ملك قشتالة ألفونسو الثامن في معركة الأرك عام 1195م.
في سنة 1340م حدثت معركة طريف التي انتصر فيها ألفونسو الحادي عشر وقام بتحويل مسجد ابن عديِّس إلى “كنيسة مجمعية”، وفي عام 1674م بدأ بناء الكنيسة التي تعرف اليوم بـ “كنيسة السلفادور“.
3- مسجد باب المردوم
يُعد مسجد باب المردوم من أقدم معالم طليطلة، حيث تم بناؤه سنة 390 هـ الموافق 999 ميلادية.
البناء المعماري لمسجد باب المردوم يُعد من أجمل شواهد الفن الأموي في الأندلس ومصدر وحي للفن المدجّن الذي كانت طليطلة موطنه الأصلي.
بعد استيلاء ألفونسو السادس على المدينة في سنة 1085م منح المسجد لفرسان القديس يوحنا الذين قاموا بتحويله إلى كنيسة أطلقوا عليها اسم “نور المسيح“.
4- جامع إشبيلية الكبير
جامع إشبيلية الكبير تم افتتاحه عام 1182م، في عهد الخليفة أبو يوسف يعقوب وبقى كذلك حتى سقوط إشبيلية بيد ملك قشتالة فرناندو الثالث عام 1236م.
أمر ملك قشتالة بتحويل جامع إشبيلية إلى كنيسة “جيرالدا بسيفييا” وتحويل مئذنـة المسجد إلى برج للنواقيس ملحق بالكنيسـة.
5- مسجد قصر الحمراء في إسبانيا
مسجد قصر الحمراء في إسبانيا، شيَّده الملك أبو عبدالله محمد الأول بن الأحمر الغالب بالله في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي.
يُعد مسجد قصر الحمراء واحداً من أجمل الآثار الإسلامية، وواحداً من بين قائمة كنوز إسبانيا الـ12.
تعرض المسجد لهدم بعض أجزاءه عند سقوط الاندلس، وتم تحويله لكنيسة “سانتا ماريا” جنوب العاصمة مدريد.
6- مسجد غازي قاسم باشا بالمجر
هو مسجد تاريخي بناه قاسم باشا في الفترة ما بين 1543م و 1546م. يُعتبر واحدًا من أكبر المباني العثمانية المتبقية في المجر.
ويتميز تصميمه بالعمارة التركية العثمانية. ويعتبر مسجد غازي قاسم باشا أحد أهم معالم مدينة بيتش بالمجر.
تم هدم مئذنة المسجد في عام 1766م، حيث تم تحويل المسجد إلى كنيسة كاثوليكية أطلق عليها اسم كنيسة البلد “السيدة العذراء”، وتم وضع تمثال الثالوث المقدس وتمثال جون هونيادي في مدخل الكنيسة.
7- هدم مسجد فرحات باشا في البوسنة
يُعرف مسجد فرحات باشا بالبوسنة باسم مسجد فرهاديا، هو مسجد يقع في مدينة بانيا لوكا، العاصمة الحالية لـجمهورية صرب البوسنة في البوسنة والهرسك.
تم بناء مسجد فرحات باشا في سنة 1579م، ويُعد مسجد فرحات باشا من الانجازات العثمانية الأكثر اكتمالاً في البوسنة والهرسك، كما يعتبر تحفة من العمارة الإسلامية لذلك فالمسجد مُدرج على قائمة الآثار الوطنية للبوسنة والهرسك.
تم تدمير مسجد فرحات باشا (فرهاديا) في عام 1993م خلال الحرب في البوسنة والهرسك.
8- مسجد أغدام في أذربيجان
احتلت القوات المسلحة الأرمينية مدينة أغدام في عام 1993م، وأصبح مسجد أغدام الكبير، باعتباره أحد المعالم المعمارية البارزة لأذربيجان، أحد ضحايا العدوان الأرميني.
تم فتح مآذن المسجد من الداخل، وانهار سقفه في عدة أماكن، وتم مسح تصميماته وكتاباته. وقد تم تحويل المسجد الذي يخضع للاحتلال حاليًا إلى حظيرة للخنازير والحيوانات الأخرى من أجل إذلال المسلمين، وقد تقرر مؤخرًا أن الأرمن قد حولوه إلى قاعدة عسكرية.
9- تحويل مسجد بابري في الهند إلى معبد للهندوس
في عام 1528م اكتمل بناء مسجد بابري في الهند حيث تم تشييده تكريماً لمؤسس السلطنة المغولية الهندية ظهير الدين محمد بابُرْ. وأقيم المسجد على مساحة تزيد عن 10 آلاف متر مربع.
زعم الهندوس أن إله الحرب “رام” -حسب معتقداتهم- وُلد في الموقع الذي أقيم فيه المسجد عام 5114 قبل ميلاد المسيح.
بسبب هذا الادعاء من قبل الهندوس بدأ الصراع على المسجد واندلعت مواجهات عديدة بين الطرفين من حين إلى آخر إلى أن هاجم حشد من الهندوس المتطرفين المسجد عام 1992م وقاموا بهدم المسجد وحولوه إلى أنقاض.
اندلعت أعمال عنف بين المسلمين والهندوس نتيجة قيام الهندوس بهدم المسجد، وأسفرت المواجهات عن مقتل ألفي شخص معظمهم من المسلمين.
لجأت أطراف الصراع إلى القضاء الذي أصدر عدة أحكام بشأن المسجد كان آخرها عام 2019م حيث حكمت المحكمة العليا في الهند بمنح موقع مسجد بابري في مدينة أيوديا للهندوس لإقامة معبدهم عليه مع منح المسلمين قطعة أرض في منطقة أخرى بنفس المدينة لتشيد مسجد عليها.
10- هدم مسجد راجا سليمان الكبير في الفلبين وبناء كنيسة مكانه
مسجد باكلاران أو مسجد راجا سليمان الكبير هو مسجد في الفلبين يقع على حدود مدينة باساي ومدينة بارناك في مترو مانيلا.
تم هدم مسجد باكلاران في سبتمبر 2013م بحجة توسعة شوارع المدينة.
وبعد أن تم هدم المسجد بدأ الشروع في تشييد الضريح الوطني الدائم للأم المساعدة أو كنيسة باكلاران في نفس مكان المسجد الذي تمت إزالته.
أما عن انتهاكات اليونان وحدها في حق المساجد فهي كثيرة وممتدة، نذكر منها:-
– تم تدمير (مسجد أشاغة) وبناء موقف للسيارات مكانه.
– وتحويل (مسجد فينيكي) إلى مزرعة دواجن.
– وتحويل (مسجد الشهداء الثلاثة) إلى حظيرة للحيوانات.
– وتحويل (مسجد وليفتيكو) إلى قاعة سينما وقاعة مؤتمرات.
– كما تم هدم (مسجد يونس) الذي بني في أوائل القرن الثامن عشر، وتم بناء حديقة أطفال مكانه.
– كما يتم تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية في المساجد في مختلف المدن اليونانية واستخدام المساجد كمتاحف وقاعات عرض.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق