هشام بتاح
ان الحديث عن مشروع قانون المسطرة المدنية الأخير وما عقبه من نقاش قانوني طفى الى السطح وواكبه المحامين والمحاميات باضراب مفتوح تحملت فيه الوزارة المعنية مسووليتها في تراجع النجاعة القضائية وتضررت معها مصالح المواطنين وتاجلت معها جملة جلسات بمختلف محاكم المملكة خاصة منها الملفات التي تستلزم اجبارية حضور المحامي، وأن الحديث عن الحق في التقاضي لا يجور تقويضه بالغرامات وتسقيف الولوج إليه، علما ان حقوق الدفاع مضمونة أمام كل محاكم المملكة وكل اختلال في التوازن بين أدوار هيئة الدفاع وموقعها في منظومة العدالة وحقوق مرتفقي العدالة من شأنه أن ينأى بمشروع هذا القانون ويجعله في معزل وتناقض واضح مع الدستور.
ولعل المتمعن جيدا في المقتضيات التشريعية الخاصة بهذا المشروع سيلاحظ وبالملموس تناقض كبير بين بعض مواد هذا المشروع مع اسمى وثيقة قانونية في البلاد وهو الدستور، ناهيك ايضا عن ضرب صارخ لحقوق المواطنين مع المبادئ الكونية المتعلقة بالحق في اللجوء الى القضاء والمساواة امامه.
ان المشروع الجديد يضرب الحق في الاستئناف والطعن بالنقض، حيث لا يحق للمواطن استئناف حكم ابتدائيا في قضية ما، إلا إذا تجاوزت قيمتها 30 ألف درهم، ولا يحق له الطعن بالنقض إلا إذا تجاوزت القيمة 80 ألف درهم، وهذا استهانة بالمواطن الضعيف الذي قد تحدد هذه المبالغ مصيره في التقاضي على درجتين.
ذلك أن القاعدة المنصوص عليها في المادة 383 تتعارض بشكل واضح مع الفقرة الأولى من الفصل 6 من الدستور”.
في مبدأ التقاضي على درجتين، ذلك أن “ما ورد في المادة 30 يتناقض مع منطوق الفصل 118 من دستور المملكة”، وأن هذه المادة “تعد مسا بروح العدالة وتتناقض مع المقتضيات الدستورية الضامنة للاطمئنان وقدسية العدالة والأمن القانوني”. علاوة على ان المشروع الجديد فرض غرامات على المواطنين والمرتفقين مما جعل المشروع الحالي في “تناقض صارخ بين شعار مبدأ مجانية التقاضي، والقيود المالية التي تفرض أثناء اللجوء إليه والغرامات المحتملة في حالة الحكم بنتيجة سلبية لصالح الطالب أو الطاعن، كما أن هذه الغرامات بهذا الشكل “تساءل المشروع على المغزى من دستورية حق التقاضي ومبدأ مجانيته، وكيف يتحول الافراط من فرض الغرامات الى عقاب ضمني وغير شرعي”.
بالإضافة ايضا إلى المساس بمبدأ التقاضي على درجتين هناك تقليص للدور الرقابي لمحكمة النقض على بعض الأحكام التي يمكن أن تطالها خروقات، معتبرين ما جاء في المادة 502 من المشروع “تعسفا تشريعيا وشططا في تجاوز الدستور، خاصة الفصل 126 منه، ذلك أن عدم تنفيذ الدولة وكل أشخاص القانون العام للأحكام القضائية، يُعتبر تَنَكُّرًا صَرِيحًا لحقوق المواطن على الدولة، لأن الأموال المحكوم بها ليست ملكية الدولة”.
وهذا التمييز بين المواطنين والدولة ومؤسساتها أمام القضاء، يتضح لنا من خلال أن المادة 383 من مشروع القانون تنص على أن الطعن بالنقض يوقف تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة، والجماعات الترابية ومجموعاتها، وشركات الدولة والأوقاف، لكنه بالمقابل حينما تصدر هذه المؤسسات حكما ضد المواطن، فإن الطعن بالنقض لا يوقف تنفيذ الحكم الصادر لصالح الدولة ومؤسساتها.
وان الخطير ايضا في مشروع القانون الجديد أنه يمنح النيابة العامة الحق في فتح قضايا تم إغلاقها منذ سنوات أو عقود، عبر الطعن في المقررات القضائية « التي من شأنها مخالفة النظام العام » دون التقيد بآجال الطعن المنصوص عليها في القانون، وذلك بفتح الباب للنقض في القضايا التي مرت بجميع مراحل التقاضي من الابتدائية والاستئنافية والنقض وترتب على أحكامها الأثر لسنوات وسنوات، الأمر الذي يعتبر تراجعا خطيرا عن ضمان الأمن القضائي للمواطنين المغاربة.
وبهذا يمكننا القول ان أي حكم قضائي في يد المواطنين المغاربة لم يعد آمنا حتى لو كان صدر في سنة 1956، مما يعد مساسا باستقلالية القضاء، وبقيمة الشيء المقضي به،
وهذه اهم النقاط التي جاء بها مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد والذي وقف المحمون له صدا منيعا باضراب مفتوح حتى ترجع معها الحقوق والحريات لمكانتها الطبيعية
1حق الطعن للنيابة العامة بدون آجال: يمنح المشروع النيابة العامة الحق في الطعن في أي قرار قضائي، حتى بعد مرور عشرات السنين، بينما يفرض على المواطنين آجالًا صارمة، ما يهدد الاستقرار القانوني ويفتح المجال لمراجعة الأحكام القديمة بشكل غير منصف.
2حرمان المواطنين من الاستئناف في القضايا الصغيرة: يمنع القانون الجديد الطعن بالاستئناف في القضايا التي تقل قيمتها عن 30,000 درهم، ما يمثل عائقًا للمواطنين ذوي الدخل المحدود الذين يعتمدون على هذه المبالغ ويعتبرونها جوهرية لحياتهم.
3قيود على الطعن بالنقض في القضايا ذات المبالغ المتوسطة: لا يسمح للمواطن بالطعن بالنقض في القضايا التي لا تتجاوز 80,000 درهم، مما يخلق تفرقة بين الطبقات الاجتماعية، حيث يتمتع الأغنياء بحقوق قضائية أكبر.
الغرامات على الدفع بعدم قبول الدعوى: يفرض القانون غرامة بقيمة 10,000 درهم على المدعى عليه إذا رفض دفعه بعدم قبول الدعوى، مما يضر بمبدأ مجانية التقاضي ويزيد العبء على المتقاضين.
4فرض غرامات على طلبات التجريح والخصام: يلزم القانون المواطن بغرامة تصل إلى 50,000 درهم في حالة تقديم طلب تجريح أو دعوى خصام ضد قاضٍ وتم رفضه، مما يضعف من حق المواطن في المطالبة بالنزاهة القضائية.
غرامات سوء النية: إذا رأى القاضي أن المتقاضي يتصرف بسوء نية، يحق له فرض غرامة، مما يفتح المجال لاجتهادات شخصية قد تكون غير عادلة.
5 تمييز بين الدولة والمواطن في التنفيذ: يمكن للدولة التنفيذ ضد المواطن مباشرةً بعد قرار الاستئناف، بينما يُلزم المواطن بالانتظار لسنوات حتى يصدر قرار محكمة النقض.
ان في دراسة موضوعية لمستجدات قانون المسطرة المدنية يجعل المحلل له والمهتم بالشأن القانوني يلامس وبواضحة النهار تناقض واضح وصريح بين ما جاءت به الاتفاقيات الدولية في مجال العدالة والدستور كاسمى قانون في البلاد مما يجعلنا نطرح سؤال جوهريا على مدى دستورية القوانين وملائمتها للواقع ولحقوق المتقاضين..
Share this content:
إرسال التعليق