نبذة عن الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماء العينين

الرباط – عادل الحصار

الشيخ محمد الأغظف بن الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن الشيخ محمد الأمين (الذي غلب عليه شهرة لقبه : مامين ) الشريف الإدريسي الحسني رحمه الله. و لد سنة 1292هـ موافق 1874م بالدار الحمراء بالساقية الحمراء التي لا تبعد عن السمارة إلا بحوالي 18كلم(ثمانية عشر كيلومترا) شمال. تربى في حضن والده العالم المجاهد المجدد العامل الشيخ ماء العينين وفي مدرسته تعلم علوم القرآن، وبعد حفظه نبغ وتبصر في علوم الفقه وأصوله والتفسير والسيرة النبوية وأساليب التربية، وقد شهد له بذلك علماء عصره على مختلف طبقاتهم وتخصصاتهم.

من ذلك ما أورده الشيخ أبو العباس سيدي أحمد بن الشمس في كتابه:”النفحة الأحمدية في بيان الأوقات المحمدية.” :”قال لي نجل شيخنا أدام الله عزه، الولي الورع، التقي النقي، الزاهد العابد ، المكاشف المربي، الألمعي الأطهر الأنظف، سيدي محمد الأغظف :” ما رأيت أصعب من المحافظة على ثلاث مسائل: – إفراغ القلب لله حتى يخلص لي به ولا يبقى فيه غيره.- وصدق الكلام لأني لما جربت نفسى وجدتها ربما تميل على الترخص في الكذب، وكان لا يترخص فيه صبيا ولا بعد ذلك، – و طهارة البدن والثوب.” قال الشيخ أحمد بن الشمس:”وصدق…”وبعد أن أورد الشيخ بن الشمس أدلة من الكتاب والسنة على كل مسألة قال:”وهذه الكلمات الثلاثة يمكن أن يخرج العلم منها، لأن العلم إما اعتقاد بالقلب أو عمل بالجوارح. وتضمنت الكلمات القسمين….إلى أن قال:”وانظر نور النبوءة يلوح على هذه الكلمات، الموجزة المعجزة، و قد قالها في سن صباه…” وقال العلامة الشيخ ماء العينين بن الحضرمي في حقه:”… القدوة البركة، ميمون السكون والحركة، العابد في الخلوات، الذاكر في الجلوات، المحافظ على الصلوات، المنفق في الفلوات؛ عالي الهمة ،هادي الأمة، النور المبين، الزلال المعين؛ المربي الأديب الناسك الحبيب؛ صاحب المجد والشرف، بركة السلف وزينة الخلف؛ القطب العارف بالله، الغني به عما سواه: الشيخ سيدي محمد الأغظف …قرأ القرآن على الوالد الشيخ السيد الحضرامي ومهر فيه غاية وأتقنه وأعطاه الإجازه …. وقرأ على أبيه العلم الباطن؛ وصدره لإرشاد الخلق، وتربية المريدين؛ وكان صاحب تحرير للعلوم، وتدبر لها، ذا إنصاف في المذاكرة؛ متواضعا غاية. يكرم أهل العلم، ويجالسهم ويحب لله ويبغض لله كثير الصوم والعبادة والصدقة. مواسيا لخلق الله…). وهذه شهادة من عالم صدق أوردها في مؤلفه المشهور:”إفادة الأقربين في التعريف بذرية شيخنا الشيخ ماءالعينين ”. وقال في حقه الشيخ محمد الغيث(الشيخ النعمة بن شيخنا الشيخ ماء العينين): سمعت شيخنا الشيخ ماء العينين يثني عليه الثناء الحسن غاية ويقول إنه مرب للمريدين وقال لبعض أبنائه ومريديه الذين كانوا معه قولوا له شيخنا وادعوه بها فإنه يستحقها وعلمه نافع ومحمود فاقرؤوا عليه…). وقد أورد الشيخ ماء العينين بن الحضرمي أثناء الحديث عن شيخنا الشيخ محمد الأغظف أن هذا الأخير: (أنابه أبوه عنه في الصحراء مع أمواله وبعض عياله فحماهم الله به من الظلام … وخلفه أبوه في أهله سفره لمولاي عبد العزيز السلطان بن مولاي الحسن عام 1322هـ فأخذ بسيرة أبيه في أداء الصلاة أول وقتها بكمال طهارتها وقراءة الحديث في وقتـه صبحـا وظهرا وعصرا وكيفية عبادة أبيه وتدريس العلم للمريدين). ومن جملة ما قال فيه العالم القاضي الشاعر الأستاذ الموسوعة الشيخ ماء العينين بن العتيق في كتابه :”سحر البيان في مناقب شيخنا الشيخ ماءالعينين الحسان”…كان الشيخ محمد الأغظف حفظه الله من أجلاء المشايخ المرشدين، و أجلاء الرواسخ المتعبدين، قليل الفتور عن المجاهدة، كثير الحضور للمشاهدة، متصفا بالأوصاف الرحمانية، متأدبا بالآداب القرآنية .” ويضيف الشيخ ماء العينين بن العتيق :” قال فيه أخوه الشيخ مربيه ربه في كتابه…و أما بن شيخنا الشيخ سيدي محمد الأغظف فقد كان من أكابر الصلحاء العابدين، والأفاضل العلماء العاملين، وأماثل الكرماء الزاهدين، وأماجد الأتقياء الواصلين، ذا جد وتحرير واجتهاد وتقرير….يعلم من رآه تحقق ما قال شيخنا فيه من شعر بالحسانية الذي مضمونه بالعربية:
أغظفن ما يملكه من اليدين**خبره إن شئت أن تتممه
واحدة ممنوعة ممايشين**الاخرى لأنواع العطا مقسمه “

ثم بعد أن أورد ما قاله الشيخ أحمد بن الشمس أتى الشيخ ماء العينين بن العتيق بما قاله الشيخ محمد العاقب ونقتطف منه ما يلي:” كان محمد الأغظف غضيض الطرف مليح الظرف…وكان كثير تحمل الأذى…وكان …وهوبا أريحيا وقد قال فيه شيخنا من شعر الحسانية ما معناه بالعربية:
أبان فضل الأغظف** رغم خياشم العدى
يسرى يديه ينتفي**بها عن الناس الردى
و لليمين العوم في**بحر السخاء و الجدى”
ويشير الشيخ ماء العينين بن العتيق إلى أن الشيخ محمد الأغظف:”…رجع إلى البلاد الصحراوية بعد وفاة شيخنا بتيزنيت وهو أول من رجع إليها من أبنائه رضي الله عنه فأحيى ذكر شيخنا بها و جدد آثاره…فكان ولله الحمد روح البلاد و إنسان عين العباد و الهادي إلى سبيل الرشاد…”
ونوجز فيما يلي محطات من حياته:
1- كان من شيوخ العلم والتربية، أسند إليه والده تربية بعض إخوته وكان إخوته يرشدون إليه أبناءهم ليتربوا في كنفه .
2- كان لا تفارقه في حياة والده وبعدها خيمة متنقلة عبارة عن مدرسة لدراسة القرآن وعلومه والحديث وعلومه وأنواع العلوم الإسلامية وكان يختار لهذه الخيمة الزاوية العلماء المرموقين للانتفاع من علمهم وقد أشار إلى ذلك محمد البوعناني نقلا عن مؤرخين من الأسبان حينما ذكر أول زاوية متنقلة في الصحراء.
3- شارك مشاركة فعالة في الجهاد ضد الاستعمار وبقي صامدا بعد وفاة والده مدافعا عن القيم وفيا لواجباته الدينية و الوطنية مخلصا للعرش العلوي المجيد و قد كتب ذلك الأجانب و غيرهم.
4- كان دوره في التئام الصف و توحيد الكلمة و تضافر جهود الكل دورا رائعا محمودا أعطى أكله في المناسبات الحاسمة و غيرها.
5- عينه خليفة السلطان في تطوان نائبا عنه في الصحراء بظهير خليفي
6- ساهم بقدر قوي في المقاومة فعندما نفي جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه أمر بقصر الصلاة و الامتناع عن الاحتفال بالأعياد وعدم إظهار علامات الفرح حتى يعود
7- – انعقد عنده أكبر مؤتمر في أم “الشكاك” حضره أعيان القبائل و أهل الحل والعقد و انبثق منه اكبر وفد عرفته المنطقة يتوجه إلى الرباط لتجديد البيعة.
وهكذا استطاع هذا الوفد أن يخترق قوات المحتل لكي يؤدي البيعة لصاحب الجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه.

بعد تأدية الوفد للبيعة ورجوعه للمنطقة وقعت محاولات جادة لتحرير المنطقة بطريقة سلمية لكن الاستعمار أصر على موقفه فخيضت معارك من طرف المقاومة وجيش التحرير وهاجر الشيخ محمد الأغظف مع انسحاب قوات جيش التحرير في عملية المكنسة “إيكوفيون” 1958م واستطاع بقدرة قادر أن ينجيه الله من قوات المستعمرين الفرنسي والاسباني التي هاجمت جوا و برا جيش التحرير وساكنة المنطقة وهكذا وصل إلى مدينة الرباط سنة 1958 وقال في هذه الإفادة العلامة الزعيم علال الفاسي: (كان من جملة الوافدين على صاحب الجلالة لتجديد بيعة الصحراء الشيخ محمد الأغظف خليفة الشيخ ماء العينين، الذي قدم من السمارة والعيون في نحو الستمائة خيمة وفي جملة وافرة من علماء تلك الناحية وأشرافها و قد أقاموا مدة في كلميم ثم دخل منهم إلى محلاته و انتقل الشيخ محمد الأغظف إلى الرباط حيث حظي بمقابلة جلالة الملك و أكد له بيعته وبيعة مريديه و أتباعه و الصحراء عامة، وهو الآن ضيف على جلالته كما كان والده الشيخ ماء العينين ضيفا على جلالة جده مولاي الحسن، و عميه مولاي عبد العزيز و مولاي عبد الحفيظ.
8- بعد حياة مليئة بالجهاد و العطاء العلمي والتربوي استقر العلامة الفاضل والمربي المناضل والشيخ العامل الشيخ محمد الأغظف بمدينة طانطان حيث توفي في شهر أكتوبر سنة 1960م رحمة الله عليه.
وبعد وفاة شيخنا الشيخ محمد الأغظف تغمده الله برحمته بطانطان أمر المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بإقامة موسم سنوي ديني واقتصادي وثقافي عند ضريح هذا الولي الصالح المجاهد بطانطان سمي باسمه اعتبارا لما قدمه من تضحيات جسام وفاء منه للمقدسات الدينية والوطنية. وقد انطلق هذا الموسم بصفة رسمية يوم: 05/05/1965م. فأم هذا الموسم جميع ساكنة الصحراء المغربية (الساقية الحمراء ووادي الذهب) التي كانت في هذا التاريخ تحت نير الاستعمار الاسباني( كما توافد على هذا الملتقى الديني والاقتصادي زيادة على ساكنة أقاليم المملكة المغربية جميعا و بعض تجار الدول المجاورة وغيرها وكان هذا الموسم مناسبة اغتنمها أبناء الصحراء المغربية الوافدين من الأقاليم المحتلة آنذاك من طرف المستعمر الاسباني للتعبير عن تشبثهم بالبيعة للعرش العلوي المجيد وللجالس عليه. زيادة على ما أعطى هذا الموسم من التواصل وإحياء صلة الرحم وخدمة استكمال الوحدة الوطنية. وبعد استرجاع أقاليمنا الجنوبية (الساقية الحمراء ووادي الذهب) إلى الوطن الأم بفضل مسيرة سلمية قرآنية خضراء من وحي عبقرية الموحد الباني جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه تشرف إقليم العيون بالزيارة الملكية التاريخية التي قام بها المغفور له لهذه الجهة سنة 1985م وشهدت انطلاق مشاريع كبرى. فبمناسبة هذه الزيارة الميمونة قام جلالة المغفور له بتدشين مجموعة من المرافق الحيوية التي كان من جملتها المركب الرياضي الكبير بالعيون الذي تفضل مولانا المغفور له فأطلق عليه اسم: « المركب الرياضي الشيخ محمد الأغظف » حيث مقر زاويته المشهورة بهذه المدينة والتي لها فروع ومريدون داخل الوطن وخارجه؛ عطفا من العرش العلوي المجيد واعتبارا لهذا الولي الصالح العالم العامل كما عهد في الملوك العلويين أبد الله ملكهم من الاعتناء بالعلماء العاملين والأولياء الصلحاء المخلصين. وازداد هذا الاعتناء والتقدير في عهد أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله .
رحم الله السلف و بارك في الخلف و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم.

Share this content:

إرسال التعليق

الاخبار الاخيرة