✍ حسيك يوسف – أحد أبناء المنطقة، وصنيعة دار الشباب مولاي رشيد
في قلب الدار البيضاء، هناك أحياء لطالما حُمّلت بأوصاف قاسية، مناطق وُصفت بالسواد، بالفقر، بالتهميش، لكنها في الحقيقة لم تكن سوى مهدٍ لمواهب حقيقية، لنقاء فكري، لروح أدبية تشع من بين الجدران، وتجد لها منفذًا نحو النور.
المسيرة 2، مولاي رشيد 04 “حمارة”، تلك “المنطقة السوداء” كما أُطلق عليها، لم تكن يومًا مظلمة لمن عرف عمقها الحقيقي. ففي ظل ما قد يراه البعض ظلامًا، وُجدت مؤسسات صنعت جيلاً واعيًا، مثقفًا، قادرًا على الإبداع والتميز. كانت دار الشباب مولاي رشيد نموذجًا حيًا لهذا التحول، حيث لم تكن مجرد فضاء للترفيه، بل مدرسة حقيقية للتكوين الفكري، منصة للالتقاء بالأدب والفن والصحافة والسينما، وفضاء لصناعة الوعي والقدرة على النقد والتحليل.
كيف يمكن لحي شعبي أن يُنجب أجيالًا من المثقفين؟ الجواب كان في الأيدي التي امتدت، في العقول التي آمنت بأن لكل طفل وشاب في هذه المنطقة نصيبًا من النور. هؤلاء الأساتذة والمثقفون، الأدباء والدكاترة، لم يكونوا مجرد مؤطرين، بل كانوا بُناة، غرسوا فينا قيمة الإنصات والتفكير، علمونا أن الاحترام هو أساس كل علاقة إنسانية، وأن الثقافة ليست ترفًا، بل هي حياة يجب أن تُعاش بكل تفاصيلها.
في حلقات النقاش، في قراءة الأفلام وتحليلها، في الكتابة الصحفية والنقدية، في الورشات المسرحية والفنية، تعلمنا كيف نحول أي واقع إلى فرصة، كيف نحفر في الصخر لنخلق لأنفسنا هويات أدبية وفكرية مميزة. من هنا، خرجت أقلام، تشكلت رؤى، وصُنعت أحلام تحققت على أرض الواقع، وسط مجتمعات كانت تجهل أن هذا الحي الشعبي، الذي بدا معزولًا عن الضوء، كان في الحقيقة مصنعًا لمبدعين حملوا اسم منطقتهم بفخر، لا كوصمة، بل كوسام على صدورهم.
اليوم، وأنا أرى هذا الحي بعين أخرى، لا أراه كما أراده الآخرون أن يكون، بل كما هو فعلاً: حيٌ مليء بالبياض الناصع، بالثقافة العميقة، بالإبداع الذي لا ينضب.
حيٌ لم يكن يومًا مظلمًا، بل كان دائمًا مشعًا بأرواح أولئك الذين آمنوا بأن النور يُصنع، حتى في أكثر الأماكن التي تبدو معتمة.
تعليقات ( 0 )