يشكل مشروع قانون المالية لسنة 2026 محطة جديدة في مسار إصلاح التعليم بالمغرب، حيث يبرز من خلاله الارتفاع الملحوظ في ميزانية وزارة التربية الوطنية ليصل مجموعها إلى قرابة 99,15 مليار درهم، منها 91 مليار درهم للنفقات الجارية و8,15 مليار درهم للاستثمار. هذه الأرقام تعني عملياً زيادة بنسبة 13% مقارنة بسنة 2025، ما يعكس رغبة سياسية واضحة في جعل التعليم أولوية وطنية تتصدر الأجندة التنموية للبلاد.
لكن الأهمية لا تكمن فقط في حجم الاعتمادات، بل في التحول في التوجه العام. فبعد سنوات من التركيز على توسيع العرض المدرسي وتحسين ظروف العمل، يبدو أن التوجه الجديد يسعى إلى الانتقال من الكم إلى الكيف، أي من مجرد الإنفاق إلى تحقيق النجاعة والنتائج. فالمؤشرات السابقة رغم تحسنها في بعض الجوانب (كولوج التمدرس وتعزيز البنية التحتية)، ما زالت تعاني من تحديات حقيقية في جودة التعليم، وضعف الكفايات الأساسية، وتفاوتات مجالية واجتماعية واضحة.
من هنا، تأتي الزيادة في الميزانية كفرصة جديدة ينبغي مواكبتها بمخطط عقلاني للتدبير والمحاسبة، يحدد بوضوح كيف ستصرف هذه الاعتمادات، وفي أي أولويات ستستثمر. فالمسألة لم تعد مرتبطة فقط بتوفير الموارد، بل بمدى قدرة النظام على تحويل هذه الموارد إلى أثر ملموس في المدرسة والنتائج التعليمية.
إن المطلوب اليوم هو اعتماد مقاربة تدبيرية حديثة قائمة على التخطيط بالنتائج، وربط التمويل بالأداء، مع تعزيز آليات التقييم والتتبع الميداني، حتى تضمن الدولة أن كل درهم يُصرف يُترجم إلى قيمة مضافة في جودة التعليم.
بكلمة، يمكن القول إن ميزانية 2026 تمثل قفزة نوعية في حجم الدعم المالي للتعليم، لكنها في الوقت نفسه اختبار حقيقي لفعالية الإصلاح، ومدى قدرة المنظومة على تحويل الموارد إلى نتائج، والنوايا إلى واقع. فالأرقام واعدة، لكن النجاح مرهون بحُسن التدبير، والتزام جماعي بمسار الإصلاح القائم على الكفاءة والمحاسبة.


تعليقات
0