مع الحدث
بقلم ✍️: ذ الحبيب مسكر
مقدمة: بين التحالف والتوتر.. علاقة معقدة
تشكل العلاقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب واحدة من أكثر العلاقات السياسية إثارة للجدل في الساحة الدولية. وبين مظاهر التحالف العلني وملامح الخلاف الخفي، يتساءل كثيرون: هل ما نشهده من توتر بين الرجلين هو صراع حقيقي ناتج عن تباين في المصالح، أم مجرد مشهد محسوب ضمن مسرحية سياسية لخدمة أجندات خفية؟
من التحالف الوثيق إلى الشقاق المعلن
سنوات التفاهم والنجاحات المشتركة
بلغت العلاقات بين نتنياهو وترامب ذروتها خلال ولاية الأخير الأولى (2017–2021)، حيث شكّلت اتفاقيات أبراهام، التي رعتها إدارة ترامب لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، أبرز إنجاز مشترك بينهما. كما تجلّى التقارب الشخصي بين الزعيمين في رسائل ودية، بينها رسالة وجهها ترامب لنتنياهو في عيد ميلاده السبعين ختمها بعبارة: “أنت عظيم!”.
منعطفات الخلاف والتراشق
غير أن هذا التحالف بدأ يتصدّع مع تصاعد خلافات حول قضايا إقليمية، أبرزها اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني مطلع عام 2020، حيث عبّر ترامب عن خيبة أمله من “تراجع” نتنياهو عن المشاركة في العملية. ثم ازداد التوتر عندما سارع نتنياهو إلى تهنئة جو بايدن بفوزه في انتخابات 2020، وهو ما اعتبره ترامب “طعنة في الظهر”، خصوصًا بعد اتهامه لاحقًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بـ”الفشل في حماية إسرائيل” خلال هجوم 7 أكتوبر 2023.
خلافات أم تكتيكات محسوبة؟
قضايا إقليمية خلافية
بحسب الباحث في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى، ثمة أربعة ملفات محورية تُظهر تعارضًا بين توجهات ترامب وسياسات حكومة نتنياهو الحالية:
1. اتفاق ترامب مع الحوثيين حول أمن الملاحة في البحر الأحمر؛
2. محادثات إدارة ترامب الجديدة مع إيران حول برنامجها النووي؛
3. اعتبار ترامب أن سوريا تدخل ضمن “نطاق النفوذ التركي”؛
4. دعم مشروع نووي سعودي دون اشتراط التطبيع مع إسرائيل.
تصعيد شخصي وقطع تواصل
ووفقًا لما أوردته إذاعة الجيش الإسرائيلي، قرر ترامب قطع الاتصال مع نتنياهو بعد أن نقل مقربون من الرئيس تحذيرات بأن “نتنياهو يتلاعب به”. وأكدت مصادر أن “أكثر ما يزعج ترامب هو أن يظهر بمظهر الشخص القابل للتلاعب”. هذا التوتر انعكس في “تراجع العلاقات الشخصية وخيبة الأمل المتبادلة”، بحسب تقارير إعلامية.
مسرحية سياسية؟ قراءة في سيناريوهات الظل
“خصومة” للاستهلاك الإعلامي؟
يرى بعض المحللين أن ما يبدو خلافًا علنيًا بين الرجلين قد لا يعدو أن يكون تكتيكًا مسرحيًا لخدمة أهداف مشتركة، مثل تحسين صورة ترامب لدى الرأي العام العربي قبيل زيارات مرتقبة. وقد وصف معلقون على مواقع التواصل هذه الخلافات بـ”المسرحية المكشوفة” التي تهدف لفصل ترامب عن سياسات نتنياهو المثيرة للجدل.
استمرار التنسيق خلف الكواليس
رغم التراشق الإعلامي، تظهر مؤشرات على استمرار قنوات الاتصال والتعاون بين الجانبين. فبعد محاولة اغتيال ترامب في ولاية بنسلفانيا، عادت الاتصالات بينهما إلى الواجهة، وتم عقد لقاء مباشر بينهما. كما كان نتنياهو من أوائل المهنئين بفوز ترامب في الانتخابات الأخيرة، ما يعكس استمرار الرهانات المتبادلة بين الطرفين.
حسابات كل طرف: تباعد في الأولويات
ترامب: أمريكا أولاً
يبدو أن ترامب، بعد عودته إلى البيت الأبيض، وضع مصالح واشنطن فوق كل اعتبار، حتى وإن تعارضت مع أجندة الحكومة الإسرائيلية. قراراته الأخيرة، من الاتفاق مع الحوثيين إلى الانفتاح على إيران، تدل على مقاربة براغماتية جديدة لا تمنح إسرائيل نفس الأولوية السابقة.
نتنياهو بين الضغوط الداخلية وتراجع الآمال
في المقابل، يواجه نتنياهو ضغوطًا داخلية شديدة من مكونات يمينية في ائتلافه، تطالب بالتصعيد العسكري ضد حماس ورفض وقف إطلاق النار في غزة. في حين يبدو ترامب منفتحًا على تهدئة سريعة قد لا تتماشى مع أجندة الحكومة الإسرائيلية. هذا التباين يعكس خيبة أمل لدى القيادة الإسرائيلية، التي كانت تعول على انحياز مطلق من ترامب خلال ولايته الثانية.
وجهات نظر عربية: بين الريبة والتحذير
مسرحية مكشوفة؟
في أوساط المتابعين العرب، تسود قناعة بأن ما يحدث بين ترامب ونتنياهو مجرد “تمثيلية” لا تنطلي على أحد، بينما رأى آخرون أن ما يحدث هو “مسرحية خبيثة مفضوحة”.
قلق من مخططات مبيتة
يتخوف بعض المتابعين من أن تكون هذه الخصومة المعلنة غطاءً لتحركات خطيرة ضد الفلسطينيين، وخاصة في غزة، بهدف تبرئة ترامب من تبعات سياسات إسرائيل المتطرفة، وربما التمهيد لاستخدام أسلحة محرمة أو شن هجوم واسع النطاق دون تحميل واشنطن مسؤولية مباشرة.
خلاصة: علاقة تتأرجح بين الحقيقة والتمثيل
في المحصلة، تمثل علاقة نتنياهو وترامب نموذجًا معقدًا لتحالف تتخلله مصالح متباينة وتكتيكات إعلامية. فبينما تظهر خلافات حقيقية حول ملفات حساسة، لا يزال الطرفان يقدّران أهمية استمرار التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
كما يوضح ألون أفيتار، المستشار السابق بوزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن “ما يهم إسرائيل حقًا هو بقاء الدعم الدفاعي الأمريكي”، أما الخلافات الأخرى فـ”لا تمس جوهر العلاقة الإستراتيجية”.
ربما تكمن الحقيقة في منطقة رمادية، حيث تتقاطع المصالح حينًا وتفترق حينًا آخر، ويُستخدم الخلاف كأداة لتحقيق أهداف مشتركة، في ظل معادلة معقدة تحكمها مقولة “الصديق وقت الضيق”، وتختبئ خلفها ملامح مشهد سياسي أكثر تعقيدًا مما يبدو.
تعليقات ( 0 )