تصريح وزير الاستثمار… انزلاق خطير واستفزاز لمشاعر المغاربة

حسيك يوسف

في وقت يعيش فيه المواطن المغربي ضغطًا غير مسبوق من غلاء الأسعار، وارتفاع البطالة، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية، خرج وزير الاستثمار بتصريح مثير للجدل، مفاده أن “ألمانيا تعيش نفس مشاكل المغرب: غلاء الأسعار، تدني القدرة الشرائية، وضعف التغطية الصحية.”

هذا التصريح الذي يُفترض أنه يهدف إلى التخفيف من حدة الانتقادات، تحوّل إلى انزلاق خطير، لأنه يُقارن بين واقعين لا يمكن أن يلتقيا إلا في السطحيات، بينما تفصل بينهما فوارق هائلة في العدالة الاجتماعية، والعيش الكريم، وضمان كرامة المواطن.

في ألمانيا، رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، يتمتع المواطن بتغطية صحية شاملة تصل إلى أكثر من 90% من السكان، والتعليم فيها مجاني وإجباري ومبني على الجودة والتأهيل، في حين أن المواطن المغربي ما زال يصطدم بواقع المستشفيات المتهالكة، والخصاص في الأطر الطبية، والأقسام الدراسية المكتظة، وغلاء المعيشة الذي يلتهم الأجور المحدودة.

كيف يمكن لوزير في حكومة دولة نامية أن يقارن بين عامل مغربي بالكاد يتقاضى الحد الأدنى للأجور (حوالي 3200 درهم)، وعامل ألماني يتجاوز دخله الشهري 1800 يورو، مع استفادته من النقل والتغطية والضمان الاجتماعي الكامل؟

إن مثل هذه التصريحات تستفز مشاعر المغاربة الذين لا يطلبون المستحيل، بل فقط الحق في تعليم كريم، وعلاج إنساني، وفرصة شغل تحفظ الكرامة. فهل يُعقل أن يُقلّل وزير من معاناة مواطنيه بتبريرها بأن “حتى ألمانيا مثلنا”؟

المقارنة في حد ذاتها تدل على انفصال واضح عن الواقع، وعن نبض الشارع المغربي الذي يُطالب بالإصلاح الحقيقي لا بالتبرير. المواطن يريد حلولًا عملية، لا أعذارًا تُغلف الفشل في السياسات الاجتماعية والاقتصادية.

لقد كان من الأجدر بالوزير أن يُخاطب الشعب بلغة الصراحة والمسؤولية، وأن يعترف أن المغرب بحاجة إلى إصلاح جذري في التعليم والصحة والتشغيل، بدل تبرير الإخفاقات بمقارنات غير منطقية تُزيد من احتقان الشارع، واستياء الشباب الذين فقدوا الثقة في الخطاب الحكومي.

في زمن تُطالب فيه حركة GenZ212 وغيرها من الأصوات الشبابية بالعدالة الاجتماعية والكرامة، فإن مثل هذه الخرجات لا تزيد الوضع إلا توتراً، وتؤكد الحاجة إلى نُخب سياسية جديدة، تُدرك أن الكلام في الشأن العام مسؤولية، وأن احترام ذكاء المغاربة واجب قبل أن يكون خياراً.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)