إسقاط الحكومة في المغرب: دروس من التاريخ وآليات دستورية معاصرة

ابراهيم جديد

صحفي و باحث في العلوم السياسية

يُعدّ موضوع صلاحيات الملك في إسقاط الحكومة من أبرز القضايا التي شغلت النقاش السياسي والقانوني في المغرب لعقود طويلة، لما له من ارتباط مباشر بطبيعة النظام الدستوري وتوازن السلط داخل الدولة. ولتكوين فهم أعمق لهذه المسألة، من المفيد العودة إلى بعض التجارب التاريخية واستحضار الآليات الدستورية المعاصرة التي تنظّم العلاقة بين الملك والحكومة.

 

تجربة تاريخية: إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم (1960)

يُعتبر إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم سنة 1960 محطة مفصلية في التاريخ السياسي المغربي الحديث. فقد تشكّلت هذه الحكومة في دجنبر 1958 وسط آمال كبيرة في تحقيق إصلاحات عميقة، غير أن الخلافات الداخلية داخل حزب الاستقلال، إلى جانب الصراعات السياسية بين النخب آنذاك، سرّعت من انهيارها.

وفي 20 ماي 1960، قرر الملك محمد الخامس إقالة الحكومة وتكليف ولي العهد آنذاك، الأمير الحسن بن محمد، بتولي رئاسة الحكومة، في خطوة أنهت مرحلة سياسية دقيقة وافتتحت أخرى جديدة.

تُبرز هذه الواقعة أن الملكية في المغرب، خلال تلك الفترة، كانت تمارس السلطة التنفيذية بيد قوية، تعكس طبيعة المرحلة ما قبل الدستورية، حين لم تكن آليات توزيع السلط قد ترسخت بعد.

 

ملتمس الرقابة البرلماني: آلية دستورية محدودة الفعالية

يُعد ملتمس الرقابة الوسيلة الدستورية الأساسية لإسقاط الحكومة من قبل البرلمان المغربي. وينص الدستور على أن هذا الملتمس يُقدم من قِبل خُمس أعضاء مجلس النواب، ولا يُعتمد إلا إذا حظي بتصويت الأغلبية المطلقة.

ورغم وجود هذه الآلية، إلا أن اللجوء إليها ظل نادراً بسبب صعوبة تحقيق الإجماع البرلماني في ظل توازنات سياسية معقدة، وأيضاً لتجنب زعزعة الاستقرار الحكومي.

فعلى سبيل المثال، حاولت بعض أحزاب المعارضة سنة 1990 تقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة، لكن المحاولة فشلت لعدم تحقق الأغلبية المطلوبة. كما أن الدستور يمنع تقديم ملتمس جديد خلال سنة من رفض سابق، وهو ما يعزز من استقرار الجهاز التنفيذي.

 

الدور غير المباشر للملك في إنهاء مهام الحكومة

لا يمنح الدستور المغربي للملك صلاحية إقالة الحكومة بشكل مباشر، باستثناء الحالات التي يُعفى فيها بعض أعضائها بناءً على طلب من رئيس الحكومة، أو عندما يقدم هذا الأخير استقالته، وهو ما يؤدي إلى استقالة الحكومة برمتها.

غير أن الفصل 51 من الدستور يمنح الملك حق حلّ البرلمان، وهو إجراء يؤدي ضمنياً إلى استقالة الحكومة، مما يجعل من هذه الصلاحية أداة غير مباشرة يمكن للملك من خلالها إنهاء مهام الحكومة إذا دعت الضرورة السياسية لذلك.

هذا التوازن يعكس خصوصية النظام الملكي البرلماني المغربي، الذي يُبقي الملك ضامناً لاستقرار الدولة، دون المساس بمبدأ المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان.

 

تحولات النظام السياسي المغربي بعد دستور 2011

منذ اعتماد دستور 2011، شهد النظام السياسي المغربي تحوّلاً نوعياً في توزيع السلط، حيث جرى تعزيز صلاحيات رئيس الحكومة والبرلمان في مقابل تقليص التدخلات المباشرة للمؤسسة الملكية في العمل التنفيذي.

وأصبحت القرارات الملكية ذات طابع تأطيري أو رمزي في أغلب الأحيان، بما يكرّس التوجه نحو الديمقراطية البرلمانية. ومع ذلك، يظل للملك دور محوري كحَكَم وضامن لاستمرارية الدولة، خاصة في حالات الأزمات السياسية الكبرى أو تعثّر عمل المؤسسات المنتخبة.

 

خلاصة

تُظهر التجربة المغربية أن إسقاط الحكومة لم يعد فعلاً سيادياً مطلقاً بيد الملك كما كان في ستينيات القرن الماضي، بل أصبح محكوماً بآليات دستورية دقيقة تُوازن بين الاستقرار السياسي والمساءلة الديمقراطية.

إن الدستور المغربي الحديث يجسّد انتقالاً تدريجياً من نظام مركزي في السلطة إلى نموذج برلماني متوازن، يُعزز مشاركة المؤسسات السياسية ويُكرّس مفهوم الملكية الدستورية الضامن

ة للاستقرار والديمقراطية.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)