نزيف الإسفلت... حينما تدهس الشاحنات ضمير الطريق - m3aalhadet مع الحدث
قالب مع الحدث |أخبار 24 ساعة

نزيف الإسفلت… حينما تدهس الشاحنات ضمير الطريق

IMG-20251105-WA0019

كأنّ قدرَ هذا الوطن أن ينام كل ليلة على صدى صفارات الإسعاف، وأن يستيقظ على نعيٍ جديد لروحٍ أزهقتها شاحنة أو سيارة مسرعة، وكأنّ حوادث السير أصبحت جزءًا من معروفة يومية، تُعزف كل صباح على طرقاتنا المليئة بالحفر والأخطاء واللامبالاة.

مدينة المحمدية، التي كانت تُعرف بـ”مدينة الزهور”، استيقظت هذه المرة على مشهد من مشاهد الحرب. (رموك) شاحنة من الحجم الكبير قرّر أن يغيّر اتجاهه إلى الأبد، فمال وانقلب على سيارة محامٍ كان، قبل دقائق فقط، يمارس حقه البسيط في الحياة. انتهى كل شيء في لحظة: القانون سُحق تحت عجلات الحديد، والعدالة اختنقت بين صفائح الشاحنة.

أية مفارقة أقسى من أن يموت محامٍ، وهو رمز حماية القانون، في حادثٍ لا يحترم أبسط قوانين السير؟ وأية مأساة أكبر من أن تتحوّل الطرق إلى مصائد موت جماعي، تُدار بمنطق “من سبق دهس”؟

السلطات الأمنية،حضرت كعادتها، فتحت تحقيقًا معمقا مصحوبة برجال الوقاية المدنية على وجه السرعة لانتشال الضحية

الحوادث تتكرر، ، والدماء لا تجف قبل أن تجف تقارير اللجان. وما بين بلاغ وتقرير ، تواصل الشاحنات جولاتها الليلية، محمّلة بالحديد، خفيفة بالضمير.

إنّ ما يجري على طرقنا ليس مجرد “حوادث سير”، بل هو تعبير صريح عن انهيار ثقافة المسؤولية. حين يغيب الوعي، وتُمنح الرخص لمن لا يفرّق بين دواسة الوقود ومكابح الحياة، يصبح الطريق مختبرًا للموت المجاني.

نحن لا نحتاج إلى مزيد من الخطب، بل إلى ثورة في تربية السائق قبل تعبيد الطريق. نحتاج إلى قوانين تُطبق لا تُعلّق، إلى رادارات في العقول لا على الأعمدة، وإلى إرادة سياسية تضع حدًّا لهذا العبث اليومي الذي يكتب نهايات مأساوية لأبناء هذا الوطن.

رحم الله المحامي الراحل، الذي أصبح اليوم عنوانًا جديدًا في سجل حرب الطرق، لعل موته يكون صفعة على وجه الضمير الجماعي، تذكّرنا أن الطريق ليس ساحة سباق، بل ممرّ حياة.

إلى أن نفهم هذه الحقيقة البسيطة، سيظل الإسفلت يشرب دماءنا كل يوم، وسنواصل تلاوة الفاتحة على عقولٍ لم تتعلم بعد أن احترام قانون السير ليس خيارًا… بل احترامٌ للحياة نفسها.

Leave a Reply

1000 / 1000 (Number of characters left) .

Terms of publication : Do not offend the writer, people, or sacred things, attack religions or the divine, and avoid racist incitement and insults.

Comments

0
Commenters opinions are their own and do not reflect the views of m3aalhadet مع الحدث