Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الصحة الواجهة جهات مجتمع

حين تصبح المستشفيات مقابر مغلقة: ماذا بعد وفاة سيدة وجنينها في زاكورة؟

مع الحدث : سيداتي بيدا

في بلد يُفترض أنه يقطع أشواطاً نحو التنمية والعدالة المجالية، لا تزال أخبار الوفاة بسبب “غياب الطبيب” أو “تعطل جهاز” تتكرر في نشرات الأخبار وعلى صفحات مواقع التواصل، وكأنها حوادث عرضية لا تستدعي وقفة تأمل أو لحظة مساءلة. واقعة وفاة سيدة وجنينها بالمستشفى الإقليمي بزاكورة ليست فقط مأساة إنسانية، بل صفعة قوية على وجه كل من يردد شعارات الإصلاح والتحديث في قطاع الصحة.

أن تموت سيدة بسبب تعطل قسم الإنعاش وغياب الطبيب المكلف، فذلك لا يمكن أن يُفهم إلا باعتباره جريمة إهمال مكتملة الأركان، يُفترض أن تترتب عنها مسؤوليات إدارية وقانونية أيضاً. الأمر لا يتعلق بحالة فردية أو حادث مؤسف، بل بحالة متكررة من الانهيار المزمن في البنيات الصحية، خاصة في المغرب غير النافع، حيث تتحول المستشفيات إلى ما يشبه قاعات انتظار للموت البطيء.

ما جدوى الحديث عن التنمية المستدامة، إذا كانت امرأة حاملاً لا تجد سريراً في قسم الإنعاش؟ ما معنى ربط المسؤولية بالمحاسبة، إذا كانت الأرواح تُزهق ولا يُحاسب أحد؟

إن وفاة هذه السيدة ليست مجرد قدر محتوم، بل نتيجة مباشرة لاختلالات يعرفها الجميع ويتواطأ معها الجميع بالصمت أو بالإهمال.

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مشكورة، نددت وأدانت وطالبت بالتحقيق. لكن إلى متى نظل ننتظر من الجمعيات أن تقوم مقام الجهات المعنية؟ كم من بلاغ وكم من بيان نحتاج حتى تتحرك وزارة الصحة هل أصبح موت الفقراء رخيصاً إلى هذا الحد؟

ليس هناك ما يبرر أن يُترك قسم الإنعاش دون طبيب، ولا ما يبرر أن تُترك الأجهزة دون صيانة، ولا ما يبرر أن تظل الأطر الطبية تُركن في المدن الكبرى بينما تعاني مناطق مثل زاكورة من فراغ شبه كامل في الكفاءات والوسائل. هذا ليس سوء تدبير فقط، بل تمييز مجالي قاتل يفضح زيف الخطاب الرسمي حول المساواة في الخدمات العمومية.

إن ما وقع في زاكورة اليوم يمكن أن يقع غداً في السمارة، أو في أي مدينة مهمشة لا نصيب لها من الأولويات . وهذا ما يدعونا إلى طرح السؤال الأكبر: هل نحن فعلاً في دولة تحترم حياة مواطنيها؟ أم أن هناك مواطنين من الدرجة الثانية يُتركون لمصيرهم في مستشفيات بلا أطباء ولا تجهيزات، وكأنهم غير معنيين بالدستور ولا بالكرامة الإنسانية؟

لا نحتاج إلى مزيد من الاستراتيجيات والوعود الكبرى، بل إلى إرادة سياسية حقيقية

Categories
أخبار 24 ساعة أعمدة الرآي الصحة الواجهة جهات مجتمع

عزوف الأطباء يغرق جهة العيون الساقية الحمراء في أزمة صحية متفاقمة

مع الحدث : سيداتي بيدا

تعيش جهة العيون الساقية الحمراء أزمة صحية مستمرة تتعمق بفعل عزوف مزمن للأطباء والأطر الصحية عن العمل في مستشفيات ومراكز صحية الجهة، ما يزيد من معاناة سكان المنطقة الذين يصنفون من بين الأكثر هشاشة صحياً واجتماعياً في المغرب.

ويطرح هذا العزوف من جديد تساؤلات كثيرة حول جدوى السياسات الصحية المعتمدة، ومدى عدالة توزيع الموارد البشرية على المستوى الوطني، خاصة أنها تضاعف من صعوبة تحقيق التغطية الصحية الشاملة والفعالة في هذه الجهة ذات الخصوصيات الجغرافية والاجتماعية.

تشهد مستشفيات الجهة، خاصة في المناطق النائية والقروية، نقصًا حادًا في عدد الأطباء والممرضين، وهو ما يؤثر سلبًا على جودة الخدمات الصحية ومستوى الاستجابة لحالات الطوارئ. ومن أبرز مظاهر هذه الأزمة مآسي مؤلمة، مثل وفاة سيدة حامل أثناء نقلها من زاكورة إلى ورزازات عام 2025، والتي تكشف هشاشة منظومة النقل والإحالة الطبية، وضعف التجهيزات والإمكانيات المتاحة.

ويؤدي هذا النقص إلى اكتظاظ المرضى في المستشفيات الإقليمية الكبرى، مثل مستشفى مولاي الحسن بلمهدي والمستشفى الاقليمي بالسمارة والمستشفى الاقليمي ببوجدور، حيث يتعرض المرضى لضغط كبير بسبب ضعف الأطر الطبية وعمليات التلاعب بمواعيد الاستشارات الطبية. كما تبرز أوجه نقص عديدة في التجهيزات الطبية وغياب الرقمنة في عدد من المرافق الصحية، ما يعقد عملية التشخيص والعلاج.

مريم، مواطنة من اقليم بوجدور:

أحيانًا ننتظر أسابيع للحصول على موعد استشارة في المستشفى الإقليمي، ويضطر والدي إلى الانتظار لساعات طويلة رغم وضعه الصحي الحرج. الأطباء قليلون والإمكانيات ضعيفة، وهذا يجعلنا نشعر بالقلق الدائم على صحة عائلتنا.”

إبراهيم، أب ينقل عائلته من السمارة:

“كل مرة يحتاج أحد أفراد عائلتي إلى علاج، نواجه صعوبة في الحصول على مواعيد طبية أو إحالات للمستشفيات الكبرى. الممرضين يعملون تحت ضغط كبير، لكن النقص في الكوادر الطبية واطباء الاختصاص هو المشكلة الأساسية التي تؤثر على جودة الخدمات.

فاطمة، ممرضة في أحد المراكز الصحية القروية:

نعاني من نقص في التجهيزات الطبية الأساسية، ونحاول بقدر استطاعتنا تقديم خدمات جيدة، لكن غياب الأطباء في المناطق النائية يزيد الحمل علينا، ولا يسمح بتوفير رعاية صحية متكاملة.

تزيد الصعوبات في النقل والإحالة الطبية بين مختلف المناطق من تعقيد المشهد الصحي في الجهة، حيث يتأخر علاج كثير من المرضى بسبب ضعف البنية التحتية للنقل الصحي، مما يعرض حياتهم للخطر. وتؤكد شهادات السكان أن هذه المشاكل تتكرر ولا تجد الحلول الجذرية المنتظرة.

ورغم الجهود التي تبذل من خلال الحملات والقوافل الطبية الموسمية ضمن برنامج “رعاية 2024-2025″، والتي توفر بعض الدعم المؤقت لسكان المناطق النائية، إلا أن تلك المبادرات تبقى حلولاً ترقيعية لا تعالج جذور المشكلات البنيوية، ولا تساهم في جذب المزيد من الأطر الطبية للعمل في الجهة.

تأتي هذه الأوضاع الصحية في جهة العيون الساقية الحمراء لتثير تساؤلات جدية عن مدى التزام الجهات الرسمية والتوجيهات الملكية بقضايا العدالة المجالية والتضامن بين مختلف مناطق المملكة. هل سيظل النزيف الصحي مستمرًا دون حلول جذرية؟ وهل ستتحرك وزارة الصحة ومؤسسات الدولة لاتخاذ خطوات فعالة ودائمة من أجل تحسين واقع القطاع الصحي بالجهة؟

تحتاج جهة العيون الساقية الحمراء إلى استراتيجية صحية متكاملة تعيد الاعتبار للموارد البشرية والمؤسسات الصحية، وتضمن توفير بيئة جاذبة للأطباء والممرضين، وتحسين البنية التحتية الصحية من تجهيزات ونقل ودعم لوجستي. فالمأساة المتكررة للسكان ليست مسألة عابرة، بل هي تحدي يستدعي تحركًا عاجلًا إلى جانب دعم مستدام لقطاع الصحة، من أجل رفع مستواه بما يحقق العدالة الصحية المنشودة لكل أبناء الجهة.