أي مجلس وطني نريد!؟ بأية تشكيلة؟ وبأية اختصاصات؟
يوسف عبد القاوي
محام، عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء
لقد سبق وأن فتح النقاش بخصوص تعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، نقاش عكس وعيا عميقا بأهمية تطوير المهنة واستكمال بنيانها بإحداث مجلس وطني كمؤسسة رسمية تكون، من ضمن مهام أخرى، المخاطب الرسمي للسلطات العمومية في كل ما يتعلق بمهنة المحاماة.
لقد كنا نعتقد بداية أن العيب في المهنة مؤسساتي، وأن هناك ضرورة لتطوير عمل هذه المؤسسات، لكن في الحقيقة، ويوما بعد يوم، يثبت لنا أن المشكل يكمن في عدم توفرنا على تصور واضح لما نريد ولمستقبل المهنة، ولا على مخطط استراتيجي للمهنة ولا على منظرين يتجاوزون المطالب التقليدية المتمثلة في الحفاظ على استقلالية المهنة وحصانة المحامي، إلى تطوير المهنة في علاقتها بالدولة لكونها تمثل سوقا مهمة من حيث رقم معاملاتها وتحتاج إلى برامج تطوير كما تحتاج إلى التعاطي معها بنفس المنطق الذي تم التعامل به مع قطاع الفلاحة (مخطط المغرب الأخضر)، ومع الصناعة (مخطط تسريع التنمية الصناعية) ومختلف برامج الدعم من أجل تطوير ونمو المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة الصناعية، وقطاع اللوجستيك (الاستراتيجية الوطنية لتنمية التنافسية اللوجستيكية) والتجارة (مخطط رواج) والطاقات المتجددة (الإستراتيجية الطاقية 2030) والصيد البحري (مخطط أليوتيس) والموانئ (الاستراتيجية الوطنية للموانئ في أفق 2030) والدعم العمومي للحد من الهشاشة وتقوية المقاولات الصحافية، ومخططات دعم السينما، وغيرها كثير من القطاعات التي حظيت باهتمام الدولة.
وقد نزلت فكرة خلق مجلس وطني بردا وسلاما على المحامين لأنهم في أمس الحاجة إلى إطار يشكل ورشا لإنتاج الأفكار والوثائق، إطار ينهض بدور التخطيط الاستراتيجي للمهنة، إطار قادر على حماية المكاتب الوطنية من تسونامي المكاتب الأجنبية وجعلها قادرة على المصاحبة القانونية ومواكبة تحول المغرب من بلد مستقبل للاستثمارات إلى مستثمر.
ورغم التضارب في التصورات والأولويات والأهداف نرى أن فكرة المجلس الوطني لم تنضج بعد وفي حاجة إلى تعميق النقاش بخصوصها وتقريب وجهات النظر.
– بخصوص تسمية المجلس:
لا شك أن هناك ضرورة لاعتماد تسمية “المجلس الوطني لهيئات المحامين بالمغرب” عوض تسمية المجلس الوطني للمحامين أو المحاماة، فالمحاماة ومن يزاولها من المحامين أكبر بكثير من أن يدبر أمرها أو يختزلها مجلس وطني لأن هناك مؤسسات أخرى معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بالمحاماة والمحامين منها وزارة العدل والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وغيرها من المؤسسات.
ولأن الغاية من خلق “مجلس وطني” ليست هي أن يحل محل الهيئات ويمارس اختصاصاتها وإنما ليمارس اختصاصات أعم وأشمل على سبيل المثال لا الحصر:
– التخطيط الاستراتيجي للمهنة؛
– صيانة المبادئ التي تقوم عليها مهنة المحاماة؛
– ضمان حرية وحصانة واستقلال مهنة المحاماة وهيئات المحامين؛
– العمل على تأهيل وتحديث مهنة المحاماة والتكوين الأساسي والتكوين المستمر للمنتسبين إليها؛
– الحرص على توحيد الأنظمة الداخلية للهيئات والتنسيق فيما بينها وتبادل الخبرات والمعلومات حول أنشطتها المهنية والنقابية والاجتماعية والثقافية والرياضية والإعلامية، واتخاذ مواقف موحدة إزاءها؛
– تقوية أواصر التضامن، وتعزيز روح التكافل الاجتماعي بين الهيئات بما يرفع الحرص على ضمان هيئات المحامين للحق في المساعدة القضائية؛
– بخصوص الاختصاصات ذات الطابع القضائي:
نرى على غرار الكثير من الزميلات والزملاء، أنه ليس من المفيد أن تكون للمجلس الوطني للهيئات اختصاصات ذات صبغة قضائية، لكون السلطة القضائية هي ملاذ جميع المواطنين والمهنيين، والقضاء حامي الحقوق والحريات، فترك الاختصاصات ذات الصبغة القضائية للقضاء فيه حفاظ على هيبته وتعزيز للثقة فيه، وتحفيف للعبء على المجلس الذي يجب أن يكرس مجهوداته لقضايا أخرى تشكل أكبر انشغالات وهواجس المحامين.
– بخصوص التمثيلية بالمجلس:
تصب معظم الآراء بهذا الخصوص في:
– ضرورة اعتماد الانتخاب كآلية وحيدة لضمان التمثيلية داخل المجلس، ولأنه لا يليق بهيئات المحامين، الحديث عن عضوية دائمة، أو مدى الحياة، لانعدام ما يبررها من جهة، ولتنافيها من جهة أخرى مع تاريخ هيئات المحامين مع الديمقراطية في شقيها الآلي والفلسفي وهي التي كانت دائما ولا زالت منارة ونموذجا يحتذى به في ممارسة الديمقراطية والاحتكام للصندوق.
– أن قمة الديمقراطية أن تكون كل هيئة ممثلة بحجمها أي اعتماد التمثيلية التناسبية مع حجم كل هيئة، باعتماد “محام عضو مقابل كل 500 محام”.
لقد آن الأوان بالفعل لأن تكون لهيئات المحامين بالمغرب مؤسسة وطنية ينص عليها القانون وينظم اختصاصاتها وتشكيلتها وليس فقط مجرد جمعية في إطار ظهير 1958 قد يبخس من مكانتها أو أهميتها أي مخاطب رسمي على الرغم من تاريخها العريق الحافل بالمحطات التاريخية والمواقف الحقوقية الجريئة وبالعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء وحصانة الدفاع وحريته واستقلاله ونزاهته، ومن الدفاع عن المصالح العليا للوطن وعن وحدته الترابية.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق