ائتلاف ذاكرة المغرب يجتمع بمدينةأسفي ” ـ آسفي .. ذكر و ذاكرة ـ
مع الحدث أفندي مراكش.
استقبلت منارة عبدة، على مدار أيام ائتلاف ذاكرة المغرب، في اجتماع دوري، احتضنته جمعية ذاكرة أسفي، من أجل توقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين أعضاء الائتلاف الذي يضم الجمعيات الآتية:
ـ جمعية منية مراكش. ـ جمعية ذاكرة الرباط ـ سلا.
ـ جمعية ذاكرة الدار البيضاء. ـ جمعية طنجة البوغاز.
ـ جمعية ذاكرة دكالة. ـ جمعية تطوان أسمير.
ـ جمعية مغرب التراث فاس. ـ جمعية ذاكرة أسفي.
وقد استُهل اللقاء بندوة علمية تم خلالها تقديم كتاب: أسفي ـ التاريخ والثقافة وقضايا التنميةـ، باعتباره باكورة علمية لجمعية ذاكرة أسفي، الغاية منه التعريف بالمدينة وتقريب المعرفة المحلية ـ التاريخية من أبنائها، بتعاون مجموعة من الباحثين والأكاديميين الذين استعانوا في النبش في الذاكرة المحلية الغميسة، بكتب مهمة ومراجع خاصة، قدموا من خلالها ملامح تاريخية عن ذاكرة المنطقة، وصور اجتماعية مهمة عن ساكنتها وطرق عيشهم منذ العصر الوسيط، كما استدعوا سير أهم الفاتحين الذين ظل اسمهم لصيقا بتراث وحضارة المدينة، ومنهم المجاهد العربي شاكر بن عبد الله الأزدي، دون إغفال للدور الجغرافي الكبير الذي لعبته المدينة لسد حاجات المنطقة الاقتصادية وحاجات المناطق المجاورة، ومنها مراكش، هذا إلى جانب إشارات نوعية إلى المذاهب الفنية والصوفية التي أثثت مشهد الدراسة الجماعية.
فإلى جانب الاعتبار الذي حضيت به صناعة الخزف بأسفي، وتطورها قبل وإبان مدرسة المعلم بوجمعة العاملي الذي أسهم إسهاما مؤسسا في نشر صناعة الخزف المحلي وطنيا وعالميا، اهتم الكتاب بتتبع فنون المنطقة، مثل: فن الملحون وفن الآلة، وفن العيطة بكل تلويناته، والفن الكناوي…إلخ.
أما فيما يخص الجانب الصوفي، فلم تغفل صفحات المؤلف الجماعي عن الإشادة بدور الزوايا والطوائف التي تعاقبت على أسفي وكذا دور الحجاج ، في إرساء العمل الروحي وترسيخ مبادئه: كالتوكل، والزهد، والتوبة وغيرها من الطباع الدالة على أسس البناء النظري والعملي للتصوف الذي ساد أرجاء المنطقة.
غيض من فيض أسفي، لم يسلم من الإشارة الواضحة للكتاب المساهمين في الدراسة الجماعية، إلى الإكراهات الجادة والعميقة التي تواجهها المدينة، وهي شامخة على بقعة المحيط، بتراثها العمراني والمادي، على الأقل منذ عهد الممالك الأمازيغ، تنازع الصمود وتدعو بصريح كل العبارات إلى ضرورة إدماج هيكلي ووظيفي لتراثها العمراني في عجلة التنمية المحلية والوطنية، ولم لا العالمية، وذلك بالانطلاق من إعادة ترميم مآثر ومعالم المدينة، بشكل يراعي خصوصيتها، ويحترم مبادئ الترميم التاريخي بأصوله، مثلما هو متعارف عليه دوليا.
لينضاف هذا العمل إلى جهود أبناء المدينة، كلبنة مهمة ضمن لبنات بناء الصرح التاريخي والتراثي والحضاري الذي يعكس وفاء أبناء أسفي الغيورين، ومساهمتهم الفعلية في لفت الأنظار لمدينة أصيلة تجمع في تناسق بديع للغاية كل مقومات المدينة العريقة.
وقد شكل كتاب: أسفي ـ التاريخ والثقافة وقضايا التنمية ـ الذي نسقت فقراته المتنوعة دة. نفيسة الذهبي، وصدر له: د. عباس الجراري و د. محمد الأسعد، بوتقة نقاش موسع بين ثلة من المشاركين، مع عرض لشريط مختصر عن أعمال جمعية ذاكرة أسفي، على هامش شهر التراث الذي تنظمه المديرية الإقليمية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، لتنتهي، بذلك أشغال اليوم الأول من اللقاء بتقاطعاته التاريخية والحضارية والرمزية التي تطمح إلى أن تجد لها صورة واضحة في أعين الحاضر.
هذا، وقد أسفرت أيضا أشغال اليوم الثاني والأخير من اجتماع ائتلاف ذاكرة المغرب، عن مجموعة من الأنشطة المهمة في مسار هذا التجمع لثلة رائدة من جمعيات المغرب، كانت بدايتها زيارة المعالم التاريخية بالمدينة العريقة، والوقوف على حصيلة جمعية ذاكرة أسفي في هذا الباب.
فإذا كانت الكتابة عن تاريخ معالم حاضرة المحيط تستغرق شغفا ووقتا وجهدا، فإن الكتابة عن حالها وحاضرها قد تستغرق عمرا وقلبا يدميه واقعها، بدءا من قلب المدينة إلى جنباتها وشريط ساحلها الممتد، وبين الأسوار والقصور والواجهات، وكأن لسان حالها ينطق (أنقدوا ما تبقى من درر تاج المجد)، فمن برج الدار، نزولا عن يمينه إلى برج خزانة البارود، وباب الشعبة والسور الموحدي، ثم برج السلوقية، مرورا ببرج المعصرة وسيدي بوالذهب، كلها ممرات تستقبل مئات بل وأكثر من الزوار يوميا، وهي تتزيا حاليا بلباس الأسى والضياع، بل وتئن تحت وطأة الهوان واللامبالاة.
ذاك مثال شاهد فقط، سقناه لنقرب واقع حال معالم المدينة اليوم، وصورة مصغرة تحيل في صمت عن واقع حال بقية المعالم، كقصر البحر والمعلمة الكاتدرائية التي شغلت أغلب أجزائها بنايات مجاورة، وكنيسة سانت كاترين، والصومعة الموحدية، والمنازل العتيقة الآيلة للسقوط، والمرافق الاجتماعية والسوسيوـ اقتصادية، وغيرها من المعالم التي ترفع اليوم الصوت، لتطالب عاليا بترميمها ولفت أنظار الخبراء والمختصين والقائمين على شأنها المحلي، وإعادة الاعتبار لمعناها ومبناها على حد سواء.
وإلى جانب زيارة معالم المدينة، بصورتها الحالية، تخللت برنامج اليوم الثاني والأخير من اللقاء زيارة المتحف الوطني للخزف، وهو منشأة شاهدة على غنى وتنوع الموارد الطبيعية لمدينة أسفي، تحفها البديعة تحملك إلى أصالة الأرض وبراعة الصانع، فلوحة الطين والساحل أخرجت إلى الوجود إبداعات فخارية تسر الناظرين، حيث أكدت الحفريات الأثرية التي أجريت بموقع لالة هنية الحمرية سنة 1994، أن أسفي عرفت صناعة الفخار على الأقل منذ العهد المرابطي (أواسط ق 11م)، على أن الخزف الأسفيوي وصل إلى كل أرجاء العالم. من جهة، بفضل توفر مدينة أسفي على ميناء سهل عليها ترويج منتوجاتها الخزفية، ومن جهة أخرى بفضل نباهة وبراعة المعلم العمالي آنذاك والذي بلغت خزفياته أكثر من 450 قطعة خزفية مابين شكل وزخرفة.
ولا يقتصر المتحف الوطني للخزف بأسفي بعرض المنتوجات المحلية فقط، بل ينفتح على الإبداعات الخزفية لأهم المدن المغربية العريقة الأخرى، كمدينة فاس وغيرها من المدن، تحف غاية في الأصالة والبهاء، عرضت في قاعات روعي فيها الترتيب الكرونولوجي للتحف وأيضا انتماؤها الجغرافي وأسلوب صناعتها الفني، ليبقى متحف المدينة أحد أهم مكوناتها الحضارية ووثيقتها الأركيولوجية ـ الفنية الفريدة.
ليتوج اليوم الثاني من اللقاء، بتوقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين أعضاء ائتلاف ذاكرة المغرب، كإطار للتعاون والتنسيق في مجال الاشتغال بين الجمعيات المشاركة، تم من خلاله الاتفاق على مجموعة بنود مؤطرة ومنظمة لدور هذه الشريحة من المجتمع المدني في ترسيخ الوعي العام بضرورة الحفاظ على التراث المادي وغير المادي، وتثمين ما تزخر به مدننا المغربية من معمار وآثار، كمكونين حضاريين يحملان صنعة الماضي ويستدعيان صحة الحاضر، مع الدعوة الصريحة إلى الاستثمار في التراث وتنمية الرأسمال البشري، كرافعة من رافعات التنمية، وكذا توحيد الرؤية الوطنية والاستفادة من خبرة الجمعيات المشاركة لخلق القوة والدينامية اللتين تتطلبهما كل صحوة اقتصادية واجتماعية.
ليسدل الستار عن أشغال اللقاء، بالقصر المملوكي قصر الباهية الأثري بدار السلطان، حيث أصالة اللقاء،عكستها أصالة المكان، بمعماره المغربي ـ الأندلسي، وبمقومات الفن الإسلامي الحاضرة على أبوابه وسقوفه : الخط العربي ـ هندسة المثمنات ـ التوريق، كتشكيلة متجانسة تصنع أمداء قصر الباهية.
ويتكون القصر من غرفتين كبيرتين، وبهو غاية في الأصالة والبهاء، وقد كررت في الغرفتين معا عبارة : (العافية الباقية)، كدعوة للسلطان بدوام الصحة وامتداد العافية.
وبالمناسبة تتمنى جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، لمدينة أسفي وتراثها العتيد الصحة والعافية الكافيتين الباقيتين، وتشكر جمعية ذاكرة أسفي على الاستضافة الكريمة، كما تطمح إلى خلق امتدادات للروافد الجهوية في القريب العاجل، عبر أعمال مشتركة تعزز الروابط وتفعل التواؤم والتوافق بين المدينتين، كما تثني على الصلة الوطنية التي تجمعها بباقي الجمعيات من مختلف ربوع المملكة المغربية.
فالقاسم المشترك بين أعضاء الائتلاف، هو خدمة التراث وتثمينه، بل وجعله على رأس قائمة الأولويات التنموية، أملا أن يكون عمل ائتلافنا تجسيدا مشرقا لعمل كل جمعية على حدة داخل رقعتها وحماها، وانصهارا لجهود جادة من خبراء يعلمون دور الفعل البشري العليم في النهوض بواقع حال.
دة أمل العباسي
كاتبة و شاعرة و عضو جمعية منية مراكش
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق