الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تحيي اليوم الدولي للقضاء على الفقر 17 أكتوبر 2022 تحت شعار:”الفقر: الوجه البشع لانتهاك الكرامة الإنسانية، واللامساواة وغياب العدالة الاجتماعية الشاملة”.
متابعة أفندي إبراهيم
تخلد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بمعية كل القوى الحية الديمقراطية العالمية، في 17 من أكتوبر الجاري، اليوم الدولي للقضاء على الفقر، الذي يتزامن ومرور 30 سنة على إقراره من قبل المنتظم الدولي في 1992؛ تحت شعار: “الفقر: الوجه البشع لانتهاك الكرامة الإنسانية، واللامساواة وغياب العدالة الاجتماعية الشاملة”؛ وهو ما يتسق والموضوع الذي اختارته الأمم المتحدة للفترة 2022-2023: “الكرامة للجميع في الممارسة: التزامات نتعهد بها معًا من أجل العدالة الاجتماعية، السلام وكوكب الأرض”؛ تأكيدا منها على أن الكرامة أساس كافة الحقوق الأخرى، وأن الفقر المدقع يمثل انتهاكا أخلاقيا، قبل أن يكون قضية اقتصادية متعددة الأبعاد “تشمل نقص الدخل والقدرات الأساسية للعيش بكرامة”.
وجدير بالذكر أن إحياء ذكرى هذه السنة يجري ضمن سياق دولي يتصف بوجود أزمة مركبة، يتداخل فيها ما هو ناتج عن مخلفات جائحة كورونا، وما هو ناشئ عن الانعكاسات المدمرة للحرب المحتدمة بين روسيا والغرب فوق التراب الأوكراني، مع ما تحمله من مخاطر على السلام العالمي، وما تمخض عنه من ارتفاع صاروخي لأثمان جميع المواد، وفي مقدمتها المواد الطاقية، وتهديد للأمن الغذائي للعديد من الشعوب؛ وذلك كله على خلفية الأزمات الاقتصادية والمالية البنيوية المتعاقبة، التي ما انفكت تولدها السياسات الرأسمالية الليبرالية المتوحشة، والتي يتم السعي لحلها على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات الأساسية للمواطنات والمواطنين.
وقد أسفر هذا الوضع عن عجز وتقهقر بَيِّن في تنفيذ البرامج والأهداف الأممية الرامية إلى مكافحة الفقر والقضاء عليه؛ وهذا ما يتجلى من خلال المعطيات التي توفرها وكالات الأمم المتحدة المختصة، والتي تظهر بأنه بينما لا يتمتع 811 مليون شخص بالغذاء الكافي، وتتربص مخاطر المجاعة ب 44 مليونا، فإن (2) مليارا شخص يعانون من الحاجة إلى مياه الشرب الصالحة، و3،6 مليارات للصرف الصحي الآمن، فيما يعيش 1.3 مليار شخص، تحت طائلة فقر متعدد الأبعاد، يمثل الأطفال والشباب حوالي نصفهم. ومن جهته يتوقع البنك الدولي أن تؤدي الآثار المستمرة للجائحة، والحرب في أوكرانيا، وتصاعد معدلات التضخم إلى الرفع من عدد الفقراء المدقعين بما يتراوح بين 75 مليوناً و95 مليون شخصا في عام 2022 مقارنة بتوقعات ما قبل الجائحة.
وبالعودة إلى حالة المغرب، فإن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة حتى الآن، المبنية على الريع، والمحافظة على التوازنات الماكرو اقتصادية، والخوصصة، وتسليع الخدمات العمومية وتعميق الفوارق المجالية والتمايزات القائمة على النوع، وتشجيع المرونة في التشغيل وتقليص فرص العمل، كل ذلك لم يفض سوى إلى توسيع دائرة الفقر والهشاشة، والرفع من نسبة الفقراء والمعوزين.
فإذا كانت المندوبية السامية للتخطيط تعتبر بأنه خلال سنة 2020 بلغ معدل الفقر النسبي 12،7%، والفقر المطلق 1،7%، ونسبة الهشاشة 7،3%؛ فإن توقعات المحللين تتنبأ بانخفاض النمو بنحو 2،8 نقطة في عام 2022، وهو ما سيسفر، حسب البنك الدولي، عن ارتفاع في عدد الفقراء بنسبة 7،4% أو ما يعادل 200 ألف شخص. وبالإضافة إلى الترتيب المتدني للمغرب في سلم التنمية البشرية الذي احتل فيه هذه السنة المرتبة 123، فإن “تقرير اللامساواة في العالم لسنة 2022″، جاء ليشير من جهته بخصوص المغرب، إلى أن التفاوتات في الدخل تعد جد مرتفعة؛ حيث أن 50% من السكان الأكثر فقرا لا يحصلون سوى على 13،5% من اجمالي الدخل الوطني، و37% بالنسبة للفئات المتوسطة، بينما يستحوذ 10% من الأكثر غنى على 49،5% من هذا الإجمالي. كما يؤكد التقرير نفسه بأن هذه اللامساواة ظلت مرتفعة، خلال الثلاثين سنة الماضية، بالرغم من بعض التغيرات الطفيفة، إذ أن حصة هؤلاء 10% لم تقل عن 40% في حين لم تتعد حصة أولئك 50 % الأكثر فقرا 14% أبدا. ويعد دخل النساء المغربيات البالغ 14% الأقل انخفاضا عن متوسط منطقة شمال أفريقيا والشرق المتوسط المقدر ب 15%. غير أن المثير أكثر ما أورده التقرير بشأن احتكار 10% الأكثر غنى ل 63% من إجمالي الثروات في المغرب، بينما لا يلوي 50% الأشد فقرا على غير 5% منها.
والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إذ تشاطر المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان رأيه في أن ” الفقر مسألة خيار سياسي” وبأنه لا يمكن القضاء عليه في نظره إلا عبر: “مراجعة تصور العلاقة بين النمو والقضاء على الفقر؛ معالجة مسألة التفاوتات وتبني مبدأ إعادة توزيع الدخل؛ تعزيز العدالة الضريبية؛ تنفيذ الحماية الاجتماعية الشاملة؛ جعل الدور الحكومي في صلب العملية؛ تبني الحكامة التشاركية؛ تكييف قياس الفقر على الصعيد الدولي”، فإنها تنتهز مناسبة إحياء اليوم الدولي للقضاء على الفقر للتعبير عما يلي:
– تأكيدها على أن القضاء على الفقر المدقع وتجفيف منابعه، مرتبط بالقضاء على الفساد ورهين بإقامة نظام ديمقراطي، يحترم إرادة الشعب المغربي، ويضمن حقه في تقرير مصيره السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والبيئي، ويوفر شروط التنمية المستدامة؛
– استنكارها القوي لتقاعس الدولة عن التدخل الفعال للحد من مضاعفات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعاني منها سواد المجتمع، ولا سيما الفئات المسحوقة منه، جراء الانعكاسات الوخيمة المترتبة عن جائحة “كوفيد-19″، والحرب الروسية الأوكرانية، وما نجم عن هذه الأخيرة من ارتفاع مهول لأسعار جميع السلع والمواد الطاقية، وتهديد للأمن الغذائي وانهيار للقدرة الشرائية؛
– دعوتها الدولة إلى نهج سياسات اقتصادية واجتماعية قادرة على محاربة الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير العيش الكريم للجميع؛ مع ما يستلزمه هذا من تعزيز وتجويد للمرافق العمومية التي تقدم الخدمات الاجتماعية، وحماية من البطالة، ورفع للقدرة الشرائية، وزيادة في الأجور والمعاشات، وتخفيض للضرائب، وإلغائها بالنسبة للمداخيل الصغرى والمتوسطة وبالنسبة للمعاشات؛
– حثها الدولة على الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقيات والعهود الدولية لحقوق الإنسان التي صدّقت عليها، ولاسيما الإعمال الكامل والواضح لمقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛
– تشديدها على وجوب ضمان الحق في الشغل لجميع المواطنات والمواطنين، وعلى رأسهم حاملو الشهادات، واحترام حقوق العمال، من خلال التطبيق السليم لقوانين الشغل، وجعل حد للانتهاكات الصارخة التي يتعرضون لها؛
– مطالبتها بإطلاق سراح كافة معتقلي الرأي والتعبير وكل ضحايا الاعتقال التعسفي، وعلى رأسهم معتقلو حراك الريف، والاستجابة لمطالب الحراكات الاجتماعية العادلة والمشروعة.
وفي الأخير، فإن الجمعية تجدد دعوتها إلى جميع القوى الحية ببلادنا، وفي مقدمتها الحركة الحقوقية والديمقراطية، للعمل المشترك والوحدوي في إطار جبهة اجتماعية متراصة، من أجل بناء مغرب الغد؛ مغرب الديمقراطية، والكرامة، والحرية، والعدالة الاجتماعية، وكافة حقوق الإنسان للجميع.
المكتب المركزي:
17 أكتوبر 2022.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق