جاري التحميل الآن

قِرَاءَةٌ فِي فِيلمِي العَهدِ ومُقَاتلِ الرُّومِ للسِّنَارِيست وسام شاكري

كَأَنَّ فِيلمِي العَهدَ الَّذِي بَدَأتُ كِتَابَتَهُ عَشِيَّةَ أمسٍ مَشهَدٌ أَلِيمٌ يُكَمِّلُ قصَّةَ حَيَاةِ الصَّيَّادِ إفري ، البَطَلِ المُكَافِحِ فِي فِيلمِي الأَوَّلِ [ مُقَاتِلِ الرُّومِ ] الَّذِي عِشتُ حِينًا مِن عُمُرِي أُحَدِّثُ النَّفسَ بَكِتَابَتِهِ قَبلَ أَن أَكتُبَهُ .

نَرَى فِي فِيلمِ العَهدِ البَطَلَ إفري صيَّادًا شَيخًا يَعِيشُ نَائِيًا فِي خَيمَةٍ صَغِيرَةٍ بغَابةٍ مَخُوفةٍ ، لَيسَ لَهُ صَاحِبٌ يُكَلِّمُهُ وَلَا أَنِيسٌ يُؤنِسُهُ إِلَّا جَوَادُهُ الأَدهَمُ وَسَيفُهُ المِخذَمُ . فَنَرَى الصَّيَادَ يُكَلِّمُ جَوَادَهُ يَشكُو إِلَيهِ مَا يَلقَى فِي خُلوَتِهِ مِن وَحشَةٍ وَالجَوَادُ يَنظُرُ إِلَيهِ صَاغِيًا كَأَنَّهُ يَعِي قَولَهُ .

يَنزِلُ بِسَاحَةِ الصَّيَّادِ فَتًى هَارِبٌ مِن عَدُوٍّ يُلَاحِقُهُ فَيستَجِيرُ بِهِ ، وَيُعَاهِدُ الصَّيَّادُ الفتَى عَلَى أَن يَمنَعَهُ مِن عَدُوِّهِ إِذَا هُم لَحِقُوا بِهِ ، فَيَدخُلَانِ الخَيمَةَ وَيَقعُدَانِ عَلَى النَّارِ يَشرَبَانِ الشَّايَ . ثُمَّ نَرَى فِي ءاخِرِ الفِيلمِ الصَّيَّادَ إفري وَهُوَ يُقاتلُ قَومًا دُهمَ الوُجوهِ شِدًادًا ، فَيُقتَلُ الصَّيَّادُ دُونَ عَهدِهِ .

وَأَمَّا فِي فِيلمِي [ مُقَاتِلِ الرُّومِ ] فَنَرَى إفري شَابًّا قَوِيَّ الجِسمِ فِي فَلَاةٍ يُعَلِّمُ أَخَاهُ الصَّغِيرَ يَغمُورَ رُكُوبَ الجَوَادِ وَرَميَ السَّهمِ . ثُمَّ نرَاهُ وَهُوَ يُسابقُ حِصَانًا هَيكَلًا فَيَسبِقُهُ ، وَنَرَاهُ عَارِيَ البَدَنِ يَدفَعُ صَخرَةً عَظِيمَةً كَأَنَّهَا قِطعَةٌ مِن جَبَلٍ يُزِيحُهَا عَنِ الطَّرِيقِ ، ثُمَّ نَرَاهُ وَهُوَ يُقاتلُ لَيثًا مِن لُيُوثِ الفَلَاةِ فَيَهزِمُهُ ، وَنَرَاهُ وَهُوَ يُقاتلُ عِصَابَةً مِن هُلَّاكِ الطَّرِيقِ فَيَصرَعُهُم . نَعلَمُ مِن هَذِهِ المَشَاهِدِ أَنَّ إفري عَدَّاءٌ سَرِيعٌ وَمُحَارِبٌ شُجَاعٌ طَوِيلُ الرُّكُوبِ شَدِيدُ الحُرُوبِ .

يَقعُدُ إفري بَعدَ يَومٍ مِنَ الطِّرَادِ عَلَى مَائِدَةِ العَشَاءِ ، مَعَ أَبِيهِ الشَّيخِ وَزَوجَتِهِ رَبَابَ وَابنِهِ ذِي الخَمسِ حِجَجٍ وَأَخِيهِ يَغمُورَ يَأكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَتَذَاكَرُونَ حُرُوبَ الرُّومِ . فُيُخبِرَاهُ أَبُوهُ وَأَخُوهُ أَنَّ قَائِدَ الرُّومِ وَجيشَهُ قَد جَاؤُوا إِلَى الحَيِّ الغَدَاةَ مِن بَعدِ مَا خَرَجَ هُوَ إِلَى الصَّيدِ فَجَاسُوا خِلَالَهُ ، وَقَد حَدَّثَهُمَا قَائِدُ الرُّومِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَن يَكُونَ إفري مَعَهُ فِي غَارَتِهِ عَلَى قَبَائِلَ مِنَ الرُّوسِ تَعِيشُ شَمَالَ البَلدَةِ ، فَلَمَّا قَالَا لَهُ أَنَّ إفري مُسلِمٌ لَن يُقاتلَ قَومًا ظُلمًا بِغَيرِ قِتالٍ ؛ غَضِبَ وَقَالَ أَنَّهُ سَيقتُلُ إفري ثُمَّ يَعُودُ لِيَأخُذَ زَوجَتَهُ وَوَلدَهُ وَلَن يَستَطِيعَا مَنعَهُمَا مِنهُ .

وَلَمَّا يَسمَعُ إفري مَا يُقَصُّ عَلَيهِ مِن خَبَرِ قَائِدِ الرُّومِ يَضَعُ لُقمَتَهُ وَيَقُومُ فَيَتَزَوَّدُ مِنَ السِّلَاحِ ، ثُمَّ يَخرُجُ فَيَركَبُ الجَوَادَ وَيَنطَلِقُ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ غَيرَ عَابِئٍ بِنَصِيحَةِ أَبِيهِ لَهُ وَدُمُوعِ زَوجَتِهِ مِن بَعدِهِ .

يَصِلُ إفري إِلَى بَابِ المَدِينَةِ بَعدَ يَومَينِ وَلَيلَتَينِ مِنَ الرَّكضِ فِي المَهَامِهِ القَفرِ ، فَيُقاتلُ عَلَيهَا حَتَّى يَتَسَربَلَ مِنَ الدَّمِ . ثُمَّ نَرَاهُ وَهُوَ يَدخُلُ حِصنَ قَائِدِ الرُّومِ عَلَى ظَهرِ الجَوَادِ يَطَاعِنُ يَمنَةً وَيَسرَةً ، لَكِنَّهُ لَم يَجِد فِيهِ غَيرَ الجَارِيَاتِ وَالخَدَمِ . وَبَينَمَا هُوَ يُركِضُ الجَوَادَ بَينَ أَسوَارِ الحِصنِ بَاحِثًا عَن عَدُوِّهِ ، إِذ تَدخُلُ عَلَيهِ مِن كُلِّ أَبوَابِهِ خَيلٌ كَأمثَالِ النَّحلِ يَقدُمُهَا ابنُ قَائِدِ الرُّومِ . فَيَعلَم إفري أَنَّ قَائِدَ الرُّومِ قَدِ استدرَجَهُ ثُمَّ أَوقَعَهُ فِي وَرطَةٍ .

يَكُرُّ إفري عَلَى أَعدَائِهِ بِوَجهٍ عَبُوسٍ وَقَلبٍ كَمِثلِ الحَجَرِ ، فَيَظُلُّ يَطحَنُهُم بِجَوَادِهِ وَسَيفِهِ حَتَّى يُبِيدَ أَكثَرَهُم ، وَيَفِرّ ابنُ قَائِدِ الرُّومِ فِي خَيلٍ قَلِيلَةٍ مُثقَلِينَ بِالجِرَاحِ ، فَيَرجِع إفري إِلَى أَهلِهِ سَعِيدًا مُنتَصِرًا بَعدَ أَن حَرَّقَ الحِصنَ عَلَى مَن فِيهِ . وبَعدَ مَشهَدٍ عَاطِفِيٍّ يَمزُجُ اللَّذَّةَ بِالأَلَمِ نَرَى إفري قَاعِدًا عَلَى النَّارِ وَحَولَهُ رَبَابُ وَابنُهُمَا يَقُصُّ عَلَيهِمَا مِن قَصَصِ حُرُوبِهِ ، ثُمَّ نَرَاهُ وَهُوَ يُطَارِدُ وَحشًا فِي الفَلَاةِ .

وَنَرَى فِي المَشهَدِ الَّذِي بَعدَهُ الفَتَى يَغمُورَ وَأَبَاهُ الشَّيخَ فِي سَاحَةِ الحَيِّ يُقَاتِلَانِ عَسكَرَ الرُّومِ قِتَالَ السِّبَاعِ ، فَيُقتَلَانِ دُونَ عِرضِهِمَا وَنَرَاهُمَا فِي لَقطَةٍ تُشجِي القُلُوبَ وَتُدمِعُ الأَعيُنَ وَهُمَا رَاقِدَينِ عَلَى وَجهَيهِمَا أَشعَثَينِ أَغبَرَينِ مُسَربَلَينِ بِالدِّمَاءِ . حَتَّى إِذَا لَم يَبقَ فِي الدَّارِ رَجُلًا يَحمِي الذِّمَارَ ؛ لَم يَزجُرِ الحَيَاءُ قَائِدَ الرُّومِ عَمَّا يُذهِبُ المَرُوءَةَ ، فَنَرَاهُ فِي مَشهَدٍ عَنِيفٍ يَدخُلُ عَلَى رَبَابَ الخِدرَ وَهِيَ حَاضِنَةٌ وَلَدَهَا ، فَينتَزِعُ الطِفلَ مِن حِجرِهَا فَيَقتُلُهُ أَمَامَهَا غَيرَ عَابِئٍ بِصُرَاخِهَا ، ثُمَّ يُصَيِّرُهَا سَبِيَّةً .

يَرجِعُ إفري مِن طِرادِهِ فِي وَقتِ الضُّحَى يُركِضُ الجَوَادَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفسُهُ بِعَشَاءٍ شَهِيٍّ يَجمَعُهُ وَأَهلَهُ سَاعَةً مِن لَيلٍ يَأكُلُونَ وَيَضحَكُونَ ، فَلَمَّا صَارَ فِي سَاحَةِ الحَيِّ ؛ إِذَا هُوَ يَرَى مَشَاهِدَ دَاميَةً يَكادُ قَلبُهُ يَتَفَطَّرُ مِن فَظَاعَتِهَا ، فَيَخِرُّ عَلَى رُكبَتَيهِ بَينَ القَتِيلَينِ يَبكِي وَيَعُضُّ عَلَى الأَنَامِلِ مِنَ الأَلَمِ . ثُمَّ نَرَى إفري فِي مَشهَدٍ عَاطِفِيٍّ وَهُوَ يَدفِنُ ابنَهُ .

وَبَعدَ ذَلِكَ نَرَى مَشهَدَ رَبَابَ وَهِيَ تَلكِزُ قَائِدَ الرُّومِ وَتَبصُقُ فِي وَجهِهِ ، ثُمَّ نَرَى مَشهَدَ قَائِدَ الرُّومِ وَهُوَ يَركُلُ رَبَابَ وَيَأمُرُ حَرَسَهُ أَن يَسجنُوهَا وَيُجَوِّعُوهَا حَتَّى عَشِيَّةِ الغَدِ . وَبَينَمَا كَانَ الحَرَسُ يَخرُجُونَ بِرَبَابَ مِن حُجرَةِ قَائِدِهِم ؛ إِذَا بِجَارِيَةٍ مِن جَارِيَاتِ القَصرِ تُشُيرُ إِلَيهَا أَن لَا تَخَافِي . فَإِذَا جَنَّ الَّيلُ تَخرُجُ الجَارِيَةُ مُلَثَّمَةً وَمُسَلَّحَةً فَتَقتُلُ الحَرَسَ وَتُفَتِّحُ أَبوَابَ السِّجنِ . وَنَرَى رَبَابَ وَهِيَ تَخرُجُ مِن السِّجنِ تَلتَفِتُ عَن يَمِينٍ وَعَن شِمَالٍ التِفَاتَ غَزَالٍ مَذعُورٍ .

ثُمَّ نَرَى فِي المَشهَدِ الَّذِي بَعدَهُ قَائِدَ الرُّومِ وَحَاشِيَتَهُ يَقعُدُونَ عَلَى طَعَامٍ ، فَيَهجُمُ عَلَيهِم مُقَاتِلٌ مُلَثَّمٌ مَاهِرٌ فِي السِّلَاحِ ، فَيَقتُلُ مِنهُم عُصبَةً ثُمَّ يَتَوَلَّى هَرَبًا . وَلَمَّا يُكشَفُ اللِّثامُ نَرَى أَنَّ المُقَاتِلَ المَاهِرَ هُوَ رَبَابُ نَفسُهَا .

وَنَعُودُ إِلَى البَطَلِ إفري فَنَرَاهُ يُقَاتِلُ عُصبَةً مِن جُنُودِ الرُّومِ ، ثُمَّ نَرَاهُ فِي مَشَاهِدَ مُتَتَابِعَةٍ يَركُبُ الأَهوَالَ وَيُطَارِدُ الكَتَائِبَ وَيَقتَحِمُ السُّجُونَ يُرِيدُ زَوجَتَهُ . وَنَرَاهُ وَهُوَ يَغَارُ عَلَى حُصُونِ الرُّومِ وَحدَهُ فُيَحَرِّقُهَا عَلَى أَهَلِهَا .

ثُمَّ نَرَى مَشهَدًا يُرَى فِيهِ إفري وهُوَ يُعَذَّبُ فِي الحَدِيدِ ، وَبَعدَهُ نَرَى مَشهَدَينِ لِرَبَابَ ؛ مَشهَدٌ لَهَا وَهِيَ تَصطَادُ أَبطَالَ الرُّومِ اصطِيَادَ الحَجَلِ ، وَالآخَرُ تُرَى فِيهِ رَبَابُ وَهِيَ تَجلِدُ جُندِيًّا بِحَدِّ السَّيفِ تُرِيدُ مَكَانَ زَوجِهَا ، فَيُخبِرُهَا الجُندِيُّ أَنَّ زَوجَهَا مَحبُوسٌ فِي قَلعَةٍ وَرَاءَ النَّهرِ .

وَتَنطَلِقُ رَبَابَ إِلَى البِلَادِ مَا وَرَاءِ النَّهرِ تَركُضُ عَلَى حِصَانٍ هَيكَلٍ ، فَتَختَبِئُ وَرَاءَ صَخرَةٍ رَاسِيَةٍ وَتَجعَلُ تَرمِي حَرَسَ القَلعَةِ بالنِّبَالِ . ثُمَّ نَراهَا وهِيَ تَقتَحِمُ أَبوَابَ القَلعَةِ ، وَنَراهَا بَعدَ ذَلِكَ وهِيَ تَفُكُّ وثاقَ زَوجِهَا .

وَفِي المَشهَدِ الَّذِي بَعدَهُ نَرَى القَلعَةَ تَحتَرِقُ وَالزَّوجَينِ يُكَابِدَانِ لِيَنجُوَا مِنَ الحَرِيقِ ، وَبينَمَا هُمَا كَذَلِكَ إِذ يَخِرُّ عَلَيهِمَا بَعضٌ مِنَ السَّقفِ فَتَمُوتُ رَبَابُ ، وَيَخِرُّ إفري عَلَى جُثمَانِهَا يَبكِي وَالنَّارُ تَلفَحُ وَجهَهُ .

نَرَى إِفري فِي المَشَاهِدِ الأَخِيرَةِ وَهُوَ يَخرُجُ مِنَ القَلعَةِ حَامِلًا جُثمَانَ رَبَابَ ، وَنَرَاهُ وَهُوَ يُحَرِّقُ قَائِدَ الرُّومِ وَحَاشِيَتَهُ . وَنَرَى إفري فِي نِهَايَةِ الفِيلمِ وَهُوَ يَقعُدُ عَلَى النَّارِ بَينَ أَجَمِ غَابَةٍ لَيسَ مَعَهُ إِلَّا جَوَادَهُ وَسَيفَهُ .

شارك هذا المحتوى:

إرسال التعليق

ربما فاتك