كلمة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض؛ رئيس النيابة العامة في الملتقى الإقليمي حول موضوع …دور المؤسسات الأمنية في الوقاية من التعذيب “التجارب والتحديات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” في الفترة الممتدة ما بين 16 إلى 18 نونبر 2023 –
مع الحدث عبد الحق عبد النجيم.
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على مولانا محمد أشرف المرسلين،
السيد ممثل السيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني؛
السيد وزير العدل؛
السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛
السيد ممثل المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
السيد ممثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان؛
السيدة رئيسة مكتب مجلس أوروبا بالمغرب؛
السيدة رئيسة اللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب؛
السيد الكاتب العام للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج؛
السيد ممثل المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان؛
حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته والتقدير الواجب لشخصه.
إنه لمن دواعي السرور والاعتزاز، أن أحضر معكم في أشغال هذا الملتقى الإقليمي الذي اختار موضوعا ذا راهنية وأهمية قصوى يهم دور المؤسسات الأمنية في الوقاية من التعذيب من خلال تبادل التجارب والوقوف عند التحديات التي يطرحها الموضوع بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، وبهذه المناسبة يطيب لي بداية أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان للسيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني على كريم دعوته للحضور والمشاركة في هذا اللقاء الهام، والشكر موصول لكل من ساهم من قريب أو بعيد في تنظيم هذا الملتقى المتميز.
حضرات السيدات والسادة؛
تُشكل حماية حقوق الإنسان خيارا استراتيجيا بالنسبة للمملكة المغربية، ويظهر ذلك جليا من خلال انخراط بلادنا في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وتعزيز ممارستها من خلال الانضمام لعدد من الاتفاقيات الدولية الأساسية بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والبروتوكول الاختياري الملحق بها الذي تمت المصادقة عليه من قبل بلادنا بتاريخ 24 نونبر 2014، وفي هذا السياق واصلت المملكة انخراطها في مسار تحديث منظومتها التشريعية والمؤسساتية بما يتلاءم وأحكام هذه الاتفاقية والبروتوكول الملحق بها، حيث تم إصدار الظهير الشريف رقم 1.18.17 بتنفيذ القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتاريخ 22 فبراير 2018، والذي عمل على إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب وذلك تفعيلا لمقتضيات المادة 17 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، التي تنص على التزام الدول الأطراف بإحداث آليات وطنية مستقلة للوقاية من التعذيب، مع ما وفره القانون الوطني من صلاحيات لهذه الآلية بما يتلاءم وأحكام المواد 19 و 20 و 21 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب ، والتي تشمل القيام بزيارات لأماكن الحرمان من الحرية والحصول على جميع المعلومات المتعلقة بالأشخاص المحرومين من حريتهم، وعقد اللقاءات اللازمة معهم إلى غير ذلك من الصلاحيات المقررة بموجب البروتوكول الاختياري، والمكرسة على مستوى التشريع الوطني.
وإذا كانت الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب تعتبر آلية موسساتية من شأنها الإسهام بشكل إيجابي في تطوير وتنمية الوعي الحقوقي ومنع التعذيب ببلادنا، فإن الجدير بالتأكيد عليه في هذا الإطار هو الدور الهام الذي تقوم به المؤسسات الأمنية في مجال الوقاية من التعذيب من خلال إذكاء البعد الحقوقي لمنتسبيها سواء عبر التكوين المستمر او التكوين الميداني، أو من خلال تدبير الأبحاث التي ينجزها ضباط الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة باعتبارها جهة قضائية تتولى مهمة الرقابة على عمل الشرطة القضائية. و للإشارة فإن هذه الرقابة القضائية تلتقي في الأهداف و الغايات التي تسعى لتحقيقها مع الرقابة الإدارية التسلسلية التي تضطلع بها الجهات الأمنية المختصة من خلال المفتشيات العامة و غيرها من أجل ضمان انفاذ القانون بالشكل الصحيح.
ولا شك في ان هذه الرقابة المزدوجة القضائية والادارية على عمل ضباط الشرطة القضائية من شانها تكريس احترام حرية وكرامة الاشخاص وتعزيز مجهودات أجهزة انفاذ القانون في مجال الوقاية من التعذيب.
وانسجاما مع هذا المنحى الذي يدعو إلى تعزيز حماية الأشخاص المحرومين من حريتهم من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة باعتباره الهدف الأساس من اعتماد البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، فإن الأمر يقتضي اتخاذ تدابير فعالة لتكريس الوقاية من هذه السلوكات، وهو ما تحرص عليه مختلف الجهات الساهرة على إنفاذ القانون، ومن ضمنها رئاسة النيابة العامة التي تعمل على جعلها في مقدمة أولويات تنفيذ السياسة الجنائية، نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
1- ضمان التفعيل الأمثل لدور قضاة النيابة العامة الرقابي لأماكن الحرمان من الحرية بما يكفل حماية حقوق الأشخاص المسلوبة حريتهم من أي اعتداء، حيث حرصت رئاسة النيابة العامة على مواكبة الزيارات الرقابية التي يقوم بها قضاة النيابة العامة لهذه الأماكن، والحرص على تنفيذها بشكل منتظم وفعال بما يتوافق ومقتضيات المادتين 2 و16 من اتفاقية مناهضة التعذيب اللتين تلزمان كل دولة طرف باتخاذ تدابير فعالة لمنع أعمال التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وفي هذا السياق أصدرت رئاسة النيابة العامة عددا من الدوريات التأطيرية لهذه الزيارات والتي أفضت إلى قيام قضاتها بما مجموعه 24022 زيارة خلال سنة 2022 وهو رقم يتجاوز عدد الزيارات المقررة قانونا والمنصوص عليها في المادة 45 من قانون المسطرة الجنائية وذلك بنسبة بلغت 120 %.
– القيام بزيارات تفقدية للسجناء بشكل منتظم وفق الآجال المقررة قانونا مع إعداد تقارير خاصة بكل زيارة ، تتوخى الاطلاع على شرعية وظروف اعتقالهم ومدى احترام حقوقهم المقررة قانونا، مع التحقق من وضعية بعض الفئات الخاصة من المعتقلين بمن فيهم الخاضعين للعلاج أو الاستشفاء، أو ممن لديهم شكايات أو ملتمسات أو تظلمات.
– القيام بزيارات منتظمة لمؤسسات معالجة الأمراض العقلية وفق ما تفرضه مقتضيات المادة 25 من ظهير 30 أبريل 1959 المتعلق بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها، مع إنجاز تقارير بشأن هذه الزيارات والتحقق من سلامة وصحـــــة ظروف إيداع الأشخاص بموجب أوامر قضائية بمستشفيات الأمراض العقلية.
2- دعم عمل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب: حيث عملت رئاسة النيابة العامة في إطار تفاعلها الإيجابي مع عمل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، على توجيه تعليمات كتابية إلى النيابات العامة بمختلف المحاكم من خلال الدوريتين الصادرتين عنها تحت عدد 40/ ر.ن.ع/د بتاريخ 01 أكتوبر 2019، والثانية تحت عدد 44س/ ر.ن.ع بتاريخ 16 أكتوبر 2019، اللتين وجهتا النيابات العامة إلى الحرص على التطبيق الفعال للمقتضيات الواردة في القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، خاصة ما يتعلق بالتزامات السلطات العمومية اتجاه الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب والتي تتمحور أساسا في تسهيل عملية الزيارات التي تقوم بها الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب لأماكن الحرمان من الحرية وتمكينها من الولوج إلى جميع هذه الأماكن ومنشآتها ومرافقها وإجراء مقابلات خاصة مع الأشخاص المحرومين من حريتهم بصورة منفردة، مع تمكينها من مختلف المعلومات المتعلقة بوضعية الحرمان من الحرية بما في ذلك المعلومات المتعلقة بمعاملة هؤلاء الأشخاص وظروف احتجازهم.
وإلى جانب ذلك حرصت رئاسة النيابة العامة على التفاعل الإيجابي والانخراط في برنامج دعم الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب ببلادنا الذي يشرف عليها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذلك من خلال المساهمة في إعداد بعض الدلائل التوجيهية المرتبطة بعمل هذه الآلية الوطنية كما هو الشأن بالنسبة للدليل الخاص بحقوق السجناء الذي شارفت اللجنة المكلفة بصياغته على الانتهاء من محتواه، والتي تعتبر رئاسة النيابة العامة جزءا منها.
وموازاة مع ما تفرضه المادة 22 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب من التزام ببحث التوصيات الصادرة عن الآلية الوقائية الوطنية، فقد حرصت رئاسة النيابة العامة على التفاعل الإيجابي مع مختلف التوصيات المضمنة في تقارير الزيارة الصادرة عن الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب لمختلف أماكن الحرمان من الحرية، كما انخرطت رئاسة النيابة العامة بشكل فعال في إنجاح الزيارة التي قامت بها اللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب إلى بلادنا خلال الفترة الممتدة ما بين 21 و 28 أكتوبر 2017، وذلك انسجاما مع مقتضيات المادة 4 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب التي تخول للجنة صلاحية زيارة كافة أماكن الحرمان من الحرية، وهكذا فقد تم توجيه تعليمات كتابية إلى المسؤولين عن النيابات العامة لدى المحاكم بموجب الدورية رقم 2س/ر ن ع الصادرة بتاريخ 17 أكتوبر 2017، قصد ضمان حرية ولوج اللجنة طوال فترة الزيارة لجميع أماكن الحرمان من الحرية بما في ذلك: المؤسسات السجنية، مخافر الشرطة والدرك الملكي، مراكز حماية الطفولة…
حضرات السيدات والسادة؛
إن الحيلولة الفعالة من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تقتضي حسب ديباجة البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب التثقيف في هذا المجال، وذلك من خلال برامج تستهدف أساسا نشر أحكام الاتفاقية والبروتوكول الملحق بها، وهو الجانب الذي حرصت رئاسة النيابة العامة على تفعيله من خلال عدة برامج وتدابير، همت إصدار دلائل عملية لفائدة قضاة النيابة العامة في مجال حماية حقوق الإنسان بما في ذلك الدليل الإسترشادي الخاص بمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة سنة 2019، كما عملت على إطلاق برنامج متخصص لتعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان، والذي شمل محورا خاصا بالتدريب على إعمال اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والبروتوكول الملحق بها، وقد انطلق هذا البرنامج بتاريخ 10 دجنبر 2020 حيث استفاد منه 950 مشاركا من قضاة النيابة العامة والحكم وضباط الشرطة القضائية وأطر المؤسسات السجنية والمجلس الوطني لحقوق الانسان والمندوبية الوزارية لحقوق الانسان ، ولازال هذا البرنامج مستمرا حتى الآن ، حيث من المزمع تنظيم ندوة حول البلاغات الفردية في شهر دجنبر المقبل.
وفضلا عن هذه التدابير فقد حرصت رئاسة النيابة العامة على تكريس مبدأ التخصص في معالجة قضايا حقوق الإنسان، بما في ذلك قضايا التعذيب إن على المستوى المركزي أو على مستوى المحاكم، حيث تم إحداث قطب خاص برئاسة النيابة العامة مكلف بقضايا حقوق الإنسان والتعاون القضائي الدولي يضم وحدات متخصصة في معالجة قضايا حقوق الإنسان بما في ذلك قضايا التعذيب، أما على مستوى المحاكم فقد تم تعيين قضاة للنيابة العامة متخصصين في معالجة قضايا حقوق الإنسان كنقط اتصال بهذه المحاكم بموجب الدورية الصادرة عن هذه الرئاسة تحت عدد 29/ر ن ع/د بتاريخ 25 يونيو 2020، وذلك بهدف ضمان فعلية الحماية المقررة لفائدة الأشخاص المحرومين من الحرية من كافة الانتهاكات التي قد تطالهم بما في ذلك التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة؛
ختاما، لا يسعني إلا أن أجدد الشكر للسيد المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني على الدعوة لحضور هذه الجلسة الافتتاحية ، وكذا لكل من سهر على تنظيم هذا اللقاء العلمي المتميز، آملا أن يُشكل فرصة سانحة لتبادل الرؤى والأفكار والتجارب حول السبل المثلى لتفعيل تدابير الوقاية من التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، بما يكفل تحقيق فعلية الحماية في هذا المجال، سائلا العلي القدير أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه ولما فيه خير بلادنا وخدمة العدالة وحماية الحقوق والحريات تفعيلا للتوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس في مجال حماية حقوق الانسان، أدام الله نصره وعزه وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن، وكافة أسرته الشريفة، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق