مُجتَمعُنا خارجَ فلكِ ذاتِه…
لمياء.أ.الدويهي .لبنان
«لقد انفصلا!… إنَّهُ لفاسِق!…
لقد تَطلَّقا!… إنَّها لَفاجِرة!…
هو المُلام! الويلُ من جِنسِهم ومن عُيونِهم الفارغة!
هي المُلامَة!… فمنذُ أن خَرَجَتِ المرأةُ من المَنزل، إنهارَ على رؤوسِ أّفرادِهِ…»
هو يلعنُ السَّاعة وهي تلعنُ الحُبَّ الأعمى…
هو يَتحاملُ على النِّساء وهي تُدرِجُهُم على لائِحةٍ واحِدة…
وتكُرُّ السُّبحةُ في دائرةٍ خبيثةٍ، كَشمطاء لا يُفلِتُ من براثِنِها أّحد!… والمُحيط؟ يَصُبُّ الزَّيتَ على النَّار، كمَن ينتظُرُ لحظاتِ مُعاناةِ الآخرين ليُفجِّرَ نتانَةَ أوجاعِهِ ومَرارةَ فشلِهِ ويُسيءَ إلى ما يُمكِنُ إِعادةُ ترميمِه، قاطِعًا بتعليقاتِهِ السامَّة كُلَّ أَواصِرِ الأُلفَةِ والمودًّة اللتين جَمَعتا، فيما مَضى، اثنَين وصَيَّرتهُما في الحُبِّ واحدًا…
والخُلاصة؟… إنَّ المُجتَمعَ ينهار، ليسَ لأنَّهُ تخلَّى فقط عن المبادئ ورمى بالقيَم عرض الحائط، بل لأنَّهُ غدا تَعيسًا، لا طعمَ لحياتِهِ ولا لون، لا قيمةَ لما يفعل ولا لما إليهِ يَطمَح… يخالُ سَعادته في ما يُحقِّقُ من أهدافٍ ومراتب، وهذا أمرٌ جيِّد، ولكنَّهُ لا يُجدي نَفعًا ما لم يَبنِ الإنسانُ داخِلَهُ ويُحَصِّنْهُ من صَدَأ وهَرَيان الفكر المُنحَدِر البعيد كُلَّ البُعد عن امتِدادِهِ المُتجذِّر في خالِقِه…
والأفظَع أنَّنا بِتنا نحسَبُ حساب الانفصال قبل التَّواصُل والاتِّصال ونُعِدُّ العدَّةَ له بدل العمل على بناء ما قد تعبنا في بُلوغِهِ في يومٍ من الأيَّام… هذا ولا يكفي أنَّنا نَخرُجُ مُحطَّمين من حياةٍ شئناها مَلجأً دافِئًا وحصنًا أمينًا نحتمي فيهِ، كُلَّما اشتدت علينا الصعوبات وضغطَت على مَنافِسِنا وأَرهَقَت أرواحَنا وذَلَّلت أجسادنا، بل ونخلُقُ من «ذُريّتِنا» انعِكاسَا لحَقيقَتِنا، لا تُعجِبُنا، نلومُها لأنَّ ما هي عليهِ لا يُرضينا، ونَنسى أنَّنا عَكَسنا ذواتِنا فيها وأَثمَرت نُفوسُنا في ثِمارِها، فلُمناها لأنَّها امتدادُنا الذي يُذكِّرُنا بحَقيقَتِنا، ومن ثمَّ نتساءَل حَولَها قائلين: «لمَ أبناؤنا هكذا؟»…
لا أدري لمَ نرفضُ في كثيرٍ من الأحيان، التَّنازل لمصلحةِ العائلة؟…
لا أدري لمَ نُريدُ كُلَّ الأشياء ما خلا أَسمى ما قدَّسَهُ الإله؟…
لا أدري لمَ ننسى أنَّ كُلَّ اثنين اتَّحدا، قد خُلِقا، فيما بينهما من جديد، ليتعاونا، يتعاضَدا، يتساندا… وليس ليُحطِّمَ كلاهما الآخر، فلا المرأة ستغدو رجلاً ولا الرَّجلُ سيلتَحِفُ بحلاها… ومن ثمَّ، كلاهما يحتاجُ الآخر، فلمَ المُكابرةَ ولمَ الادِّعاء؟…
لا أدري لمَ نُفوسُنا عن الحقِّ زائغة وعن تمييز الأمور وتَحديد الأولويَّات قاصِرة؟…
لا أدري لمَ نتلهَّى بالقَشور وكأنَّنا سنَعيشُ أبدًا وجوهرُ الأمورُ يُهرَقُ على مذابِح الهوانِ والاستهتار والازدراء؟…
لا أدري لمَ سَقطت التَّضحية من قاموسِ الحَياة وغدا الصَّبرُ بنظرِ زُمرةٍ من النَّاس، للمُتخلِّفينَ مِقياس؟…
لا أدري لمَ نَتَساهلُ في كُلِّ ما يَنفعَنا ولمَ تنازَلنا عن الكفاح والنِّضال في سبيل الاستمراريَّة لثَبات كُلٍّ من الشَّريكَين، اللّذين إن لم يتَّحِدا، عَبثًا يَتعَبُ الأفراد؟…
عُدنا لنَئنَّ ونتألمَّ ونتوجَّعَ، رافضينَ الاقرار بتورُّطِّنا في دمارِ حياتِنا ومجتمَعِنا، مُتلهِّين بشؤونِ الآخرين التي لا تَعنينا إطلاقُا، غافلين عن أُمورِنا الجوهريَّة…
ليتنا نَدَعُ الآخرين يُلملمون شَتاتَ جراحِهم ويُضمِّدونها بدُموعِهم وآهاتهم، ونَهتَمُّ نحنُ بما ينقصنا لنَكتَمِل… ليتنا نتوقَّفُ عن ادِّعاء المعرفة في أُمورِ الآخرين ونحن عن شؤونِنا الذاتَّية بَعيدين، هذا إن لم نَكُن رايةَ الفشلِ رافعين…
أُصيبَت نُفوسُنا بالهَشاشَة، وفقدَ الوجودُ رَونَقهُ وغدا الحُبُّ بلا أَعمدةٍ ثابِتة، فأسقطناهُ من حياتِنا وكان سُقوطُهُ في مَنازِلِنا عَظيمًا…
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق