نساء لوركا.. نساء المسرح العربي

متابعة عبد الصمد عراك
من اعداد ايمان وليب
في قلب الإبداع المسرحي العربي، تبرز “نساء لوركا” كعمل درامي يستنطق الألم ليصنع منه شعلة أمل. المسرحية، التي أبدعتها الكاتبة والمخرجة العراقية الدكتورة عواطف نعيم، تمثل رحلة فريدة من التحدي والمقاومة الفنية. هي ليست مجرد عرض مسرحي، بل رسالة إنسانية تجسد معاناة المرأة العراقية في ظل الظلم والقهر، وتُبرز قوتها الكامنة التي قد تتحول إلى طوفان يغيّر الواقع.
عام 2007، قدمت الدكتورة عواطف نعيم “نساء لوركا” لأول مرة على خشبة المسرح العراقي، ثم أُعيد تقديمها عام 2008، في خطوة تعكس رغبة ملحّة في طرح تساؤلات وجودية عن القهر والاستبداد وتأثيرهما على الإنسان. استلهمت الكاتبة العمل من شخصيات الشاعر الإسباني الكبير فيديريكو غارثيا لوركا، حيث اختارت “يرما” و”مريانا” و”العروس”، لتكون رموزاً معبّرة عن نساء العراق الجريحات في حقبة مريرة من تاريخهن.
تطرح المسرحية سؤالاً عميقاً: “هل يمكن للظلم المتوحش أن يحول الإنسان المسالم إلى مستبد؟”، وكأنها تعيد صياغة معادلة الحياة في ظل القمع، حيث يتحول الألم إلى غضب قد يصنع طاغية من قلب المظلوم.
فريق العمل: حينما يجتمع الإبداع بروح الجماعة
لأن المسرح فعل جماعي، فقد استعانت الدكتورة عواطف بفريق من أبرز المبدعين والفنانات العراقيات، ممن شكّلوا أعمدة العرض المسرحي. كان من بينهن:
فاطمة الربيعي: التي عادت إلى خشبة المسرح بعد غياب طويل، حاملةً شغفها وحبها للمسرح العراقي.
الدكتورة إقبال نعيم: المسرحية الملتزمة التي عُرفت بدقتها وانضباطها في إدارة الأعمال الفنية.
الدكتورة شذى سالم وسمر محمد: اللتان أضفن طابعاً خاصاً من الرقي الفني.
بالإضافة إلى ذلك، شارك الفريق الفني أسماء لامعة مثل سهيل البياتي وعلي السوداني وعصام كاظم، الذين عملوا جميعاً بتناغم وانسجام لتحقيق الرؤية الإبداعية.
لم يكن “نساء لوركا” مجرد عرض مسرحي محلي، بل استطاع أن يعبر حدود العراق ليصل إلى الجزائر وتونس، وحتى إلى ألمانيا وهولندا. في كل محطة، تكيّف العمل مع طبيعة المكان، من المسارح المفتوحة إلى المغلقة وحتى العروض على سفن ثقافية. أظهرت المسرحية مرونة كبيرة في تقديم رسائلها، مؤكدةً قدرة المسرح على محاورة الأمكنة والجمهور على حد سواء.
اعتبرت الدكتورة عواطف المسرح فضاءً للحوار والتعبير عن المخاوف والأحلام. ومن خلال “نساء لوركا”، نقلت حكايات النساء العراقيات اللواتي صرن رموزاً للنضال والصمود. في الوقت نفسه، كان المسرح وسيلة لطرح قضايا سياسية واجتماعية شائكة، مثل الدكتاتورية والقمع. أكدت المسرحية أن الفن يمكن أن يكون مرآة تعكس أوجاع الشعوب، ووسيلة لتحدي الصمت وإعادة صياغة المصير.
في مهرجان الهيئة العربية للمسرح، الذي جمع مبدعين من أنحاء العالم العربي، كانت “نساء لوركا” محطة مميزة ضمن 11 عرضاً مسرحياً تنافست بقوة. الملفت أن الحضور النسائي كان بارزاً، حيث قادت ست نساء عربيات أعمالاً استثنائية، في تأكيد على دور المرأة كمبدعة ومناضلة في المسرح العربي.
الدكتورة عواطف نعيم أبدت فخرها بالعمل ضمن هذا المحفل الذي يعدّ منصة للفنانين العرب للتعبير عن تطلعاتهم وهمومهم. وبالنسبة لها، المسرح ليس مجرد خشبة، بل فضاء للحلم الذي يتحول إلى واقع ملموس من خلال الإبداع.
بعد سنوات من تقديمها، تبقى “نساء لوركا” علامة بارزة في المسرح العراقي والعربي، إذ جمعت بين الفن الراقي والرسائل العميقة. المسرحية لا تكتفي بعرض الألم، بل تُبرز دور المرأة كمبدعة ومناضلة، قادرة على إحداث تغيير في واقعها. هذا العمل يذكرنا بأن المسرح ليس مجرد ترف، بل هو أداة للتعبير عن الذات والجماعة، وشعلة تضئ عتمة الواقع.
هكذا، تظل “نساء لوركا” شهادة حية على أن الفن، مهما كان بسيطاً، يمكن أن يغير العالم حين ينبع من قلوب تحمل أحلاماً لا تعرف حدوداً.

من اعداد ايمان وليب

Share this content:

إرسال التعليق

الاخبار الاخيرة