● مراكش – مع الحدث :
انطلقت، اليوم الثلاثاء بمتحف محمد السادس لحضارة الماء بمدينة مراكش، أشغال المؤتمر الأول حول “لغات الخطاب الديني وأسئلة التلقي المعرفي”، الذي ينظمه إلى غاية 23 دجنبر الجاري مركز عطاء للبحث في اللغة وأنساق المعرفة.
وتتوخى التظاهرة، التي تأتي في إطار التنزيل الاستراتيجي للأهداف العلمية للمركز، التقعيد المعرفي الرصين لأسس الحوار بين الأديان، من خلال التأسيس على لغات خطاب ديني جامع تلتقي حوله هذه الأديان، مع الانخراط في كل المبادرات الإيجابية الرامية إلى إشاعة العيش المشترك والتسامح، ونشدان الأفضل، وبلوغ التغيير بمفهومه العميق والشامل.
كما تروم التظاهرة، التي تحتفي بالدكتور مولاي المامون المريني (أستاذ العبرية ومقارنة الأديان) بمناسبة إصدار كتابه الموسومِ بـ”اللُّمَع” للنحوي الأندلسي أبو الوليد مروان بن جناح القرطبي Yona Abulwaleed Marwan Ibn Jannah dU Cordoue”، مقاومة السرديات الصدامية، وسلوك سبيل أوحد للتمنيع منها، من خلال تغليب فضيلة الحوار.
وتأتي أيضا لإماطة اللثام عن تاريخ شخصيات فذة عملت في هذا الاتجاه، من قبيل الإمام الغزالي وابن ميمون، مع تسليط مزيد من الضوء على التجربة الأندلسية التي استطاعت نسج خيوط للتواصل بين كافة الملل والنحل.
وفي كلمة عبر تقنية التناظر المرئي، أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، أهمية موضوع المؤتمر الذي يتناول لغة الخطاب الديني، مشيرا إلى أن “الخطاب عندنا كمسلمين منزل، أما تأويله فللحكماء، ومن الحكمة سبل النجاة”.
وسجل السيد التوفيق حاجة هؤلاء الحكماء، إلى تبني الحرص في القول، على اعتبار أن للمتلقي عهدة على القائل، لافتا إلى موضوعية وحكمة وتبريز الأساتذة المشاركين في المؤتمر.
وأوضح المسؤول الحكومي في هذا الاتجاه، أن “الجامعة المغربية التي تبنت منذ أمد مقاربة تروم ابتعاث متخصصين في اللغات القديمة للدراسة، بدأت تظهر ثمراتها في الأعوام الأخيرة”، مشيرا إلى أن المحتفى به في هذه التظاهرة، الدكتور مولاي المامون المريني (أستاذ العبرية ومقارنة الأديان)، عمل في مجاله على إشاعة العطاء الأكاديمي في موضوع بالغ الأهمية.
وخلص السيد التوفيق إلى أن لغة الدين عطاء وعمل، مضيفا أن “الإنسانية تتوقف سلامتها، في كل وقت، على العطاء السائد بين أهلها، وأن العطاء هو عنوان الدين”.
أما رئيس المجلس العلمي المحلي لمراكش، محمد عز الدين المعيار الإدريسي، فثمن عقد المؤتمر وموضوعه، مسجلا الحاجة إلى تبادل الرأي حول مواضيع من هذا القبيل يلتقي فيها الموروث بالمعاصر، وضمان التقريب بينهما إغناء لرصيد كل منهما.
وأوضح أن تاريخ حاضرة مراكش يحبل بالمنجزات، خصوصا وأن علماء أفذاذا وأطباء مرموقين عاشوا تحت سمائها وكان لهم قصب السبق في علوم الدين والدنيا، لافتا إلى التنمية الشاملة التي يعد الإنسان قطبها ومحورها الأساس.
وبخصوص موضوع المؤتمر “لغات الخطاب الديني وأسئلة التلقي المعرفي”، كشف السيد الإدريسي أن “الدين واحد موحد يقوم على وحي السماء، وأن الخطاب متعدد، باختلاف الألسن”، داعيا في هذا الصدد إلى إيلاء فائق العناية باللغة العربية على اعتبار أن “من حق اللغة العربية على أبنائها أن ينتصروا لها انتصارا، من خلال إعادة الثقة إلى الناطقين بها والراغبين في تعلمها مع قدرتها على الصمود”.
وخلص إلى أن المحتفى به، الدكتور مولاي المامون المريني، كان “مثالا للعالم العامل الحريص على النفع ملء لفراغ كبير في تخصصه، واقتداءا بأستاذه أحمد شحلان”.
أما هشام فتح، الأستاذ بجامعة القاضي عياض، ومدير مركز عطاء للبحث في اللغة وأنساق المعرفة، فأكد أن رهان المؤتمر يتجلى في إرساء حوار علمي حول لغات الخطاب الديني، لافتا إلى أن هذا الحوار تلتقي فيه النصوص الدينية الثلاث.
وأوضح في تصريح صحفي، أن المؤتمر يعمل بمقاربة مبتكرة تدمج مشارب تخصصية مختلفة من قبيل علم النفس والأنثروبولوجيا والحفريات.
وتتوج هذه التظاهرة العلمية سنة من العمل الأكاديمي من خلال الانكباب على عدد من الأعمال العلمية في مختلف تخصصات العلوم الإنسانية، مع الاحتفاء “بالدكتور مولاي المامون المريني الاسم البارز في الدراسات الشرقية واللغوية ومقارنة الأديان، كما أنه من أعلام الجامعة المغربية الذي راكم رصيدا معرفيا وعلميا وإنسانيا شكل غاية من الغايات التي يطمح إليها هذا المؤتمر، وهو يتدارس لغات الخطاب الديني.
وترمي الغاية إلى ترسيخ قيم التسامح والانفتاح على الآخر واحترام الخصوصيات الدينية والثقافية، التي راكمتها الحضارات الأخرى؛ بالإضافة إلى أن مسار الدكتور مولاي المامون المريني يمثل تشخيصا حيا لهاته القيم وتجسيدا لها خاصة وهو يصدر كتابا بثقل حضاري وشهادة قوية على ضرورة العمل المشترك بين الدارسين والمتخصصين خدمة للغات الخادمة للنصوص الدينية.
ويشكل المؤتمر، الذي يجمع نخبة متخصصة ووازنة من الباحثين الأكاديميين يقاربون موضوع اللغات (عربية/ عبرية …) التي وظفت لإبلاغ المقاصد الدينية، ويبحثون في خواصها الذاتية وتفاعلاتها الوجودية واللسانية والثقافية وامتداداتها الوظيفية، “فرصة للتذكير بمكانة مدينة مراكش العلمية والحضارية وتاريخها الزاهر، الذي أثتث مشهده حضارات ولغات متعددة، فكان على امتداد التاريخ إشعاعا قويا للهوية المغربية وللحضارة الوطنية، باعتبارها حضارة حاضنة للعلوم والفكر، وواحدة من أهم نقط التقاء الديانات ولغاتها مع الحفاظ القوي على خصوصيتها”.
Share this content:
إرسال التعليق