الأمازيغية وسؤال التمثيل السياسي: بين الحاجة إلى التأطير والخوف من التقزيم
✍️ هند بومديان
في قلب الحراك السياسي والفكري الذي يشهده المغرب، يتصاعد الجدل حول فكرة تأسيس حزب سياسي بمرجعية أمازيغية، وهي فكرة لا تُطرح بمعزل عن السياق الدستوري الجديد الذي اعترف بالأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية. لكن، وعلى الرغم من هذا الاعتراف الرمزي، ما زال حضور الأمازيغية في المؤسسات والمجال السياسي محدودًا، ما يطرح تساؤلات مشروعة حول جدوى هذا الاعتراف إذا لم يُترجم إلى قوة فاعلة على الأرض.
النقاش حول هذا المشروع ينقسم إلى رؤيتين متناقضتين: الأولى تعتبر أن تأسيس حزب أمازيغي هو ضرورة سياسية راهنة، خطوة حاسمة لنقل النضال الأمازيغي من الهامش الثقافي إلى مركز القرار، والثانية ترى أن تحويل الأمازيغية إلى مرجعية حزبية يُشكل تقزيماً لها، وتحجيمًا لكونها مكونًا وطنيًا جامعًا لا يخص فئة بعينها.
من يدافعون عن فكرة الحزب يرون أن باقي الأحزاب لم تأخذ القضية الأمازيغية على محمل الجد، بل اكتفت بتوظيفها موسمياً كلما اقتربت الاستحقاقات الانتخابية، دون أن تُبلور رؤية سياسية واضحة تنبني على العدالة اللغوية والإنصاف الثقافي. بينما يرى معارضو المشروع أن الحل يكمن في “تمزيغ” الأحزاب من الداخل، وتوسيع دائرة التمثيل الأمازيغي عبر المؤسسات القائمة، دون اللجوء إلى التقوقع داخل إطار حزبي قد يُفهم على أنه محاولة لخلق كيان عرقي أو هوياتي ضيق.
لكن السؤال الأعمق من كل هذا هو: هل نحتاج إلى حزب أمازيغي أم إلى مشروع أمازيغي؟ الحزب أداة، قد تُحقق تمثيلاً سياسياً محدودًا، لكنها لن تصنع تحولًا عميقًا ما لم تكن جزءًا من مشروع حضاري شامل يعيد صياغة العلاقة بين الهوية والسياسة. المشروع هو ما نحتاجه: رؤية تنموية شاملة تستحضر الأمازيغية لا كمجرد لغة، بل كمنظومة ثقافية وأخلاقية، كرافعة للتحرر المعرفي والتنوع السياسي، لا كعنصر تمثيل انتخابي.
الأمازيغية لا يجب أن تُختزل في مقاعد برلمانية، ولا أن تتحول إلى بطاقة تستعمل في مفاوضات التحالفات الحزبية. إنها قضية أعمق من السياسة، وأكثر تجذرًا من أن تُحاصر داخل برامج انتخابية. إن ما نحتاجه هو وعي جمعي يعتبر الأمازيغية ملكًا لكل المغاربة، مشروعًا وطنيًا بامتياز، لا مجالًا للصراع الهوياتي أو للمزايدة السياسوية.
تأسيس حزب بمرجعية أمازيغية لن يكون له معنى إلا إذا كان قادراً على تجاوز ثنائية التمثيل والمعارضة، ليتحول إلى منصة فكرية تُعيد صياغة الأسئلة الكبرى: كيف نُعيد الاعتبار للثقافة كأداة للنهضة؟ كيف نجعل من التنوع رافعة للوحدة، لا عائقًا أمامها؟ كيف نصوغ مغربًا جديدًا، لا يقوم على الإنكار أو الإقصاء، بل على الاعتراف والتكامل والعدالة؟
في نهاية المطاف، تظل الأمازيغية أكبر من أن تكون شعاراً سياسياً، وأعمق من أن تُختصر في حزب. إنها روح تسكن الأرض، وتكتب التاريخ، وتنتظر من يحمل مشروعها لا من يتكلم باسمها. فالقضية ليست في تأسيس حزب، بل في تأسيس وعي جديد.
تعليقات ( 0 )