متابعة سيداتي بيدا
في دول العالم المتقدم، يُنظر إلى المنصب السياسي كوسيلة لخدمة الناس، وفرصة للمساهمة في تطوير الوطن، ومجال يُكافأ فيه المجتهد ويُحاسب فيه الفاشل. أما في عالمنا، فالأمر مختلف تمامًا. هنا، الكرسي ليس مجرد مقعد… بل هو “قدر”، “مصير”، وربما “حياة أو موت”.
المنتخبون عندنا – وما أكثرهم – لا يأتون للمسؤولية بل يأتون للجلوس. يجلسون ثم يتشبثون، ثم يذوب الكرسي في أجسادهم إلى درجة أن فصله يحتاج إلى عملية جراحية معقدة، أو جرافة، أو ثورة شعبية إن أمكن! أما التنازل الطوعي، فهو من علامات الساعة الصغرى.
يتحول الكرسي إلى قطعة أثرية مقدسة، لا تُلمس، ولا تُسأل، ولا يُقال عنها “كفى”. بعضهم لا يكتفي بولاية أو اثنتين، بل يصاب بـ”متلازمة الخلود السياسي”. وتبدأ المسرحية: تعديل قوانين، تبرير الفشل، تحميل المعارضة المسؤولية، ثم ترشيح جديد. وهكذا، في كل دورة انتخابية، يعود نفس الوجه ونفس الخطاب ونفس الوعود التي لم تُحقق منذ التسعينات.
اللافت في الأمر أن هذا التمسك لا يأتي من وفرة في الإنجازات، بل من ندرة في الضمير. بعضهم يخسر سمعته، رصيده، ثروته، وربما حتى عائلته، لكنه لا يُفكر لحظة في ترك الكرسي. يغامر بكل شيء… إلا المنصب. بعضهم يُصاب بوعكة صحية، يدخل المستشفى، وربما العناية المركزة، ثم يُخرج من هناك بيانًا يؤكد فيه “استمراره في أداء مهامه الوطنية”، وكأن الوطن سيتوقف إن توقف هو!
والأطرف من ذلك، أن بعضهم بدأ فعليًا في التفكير في التوريث. لا يهم إن كانت الديمقراطية ترفض ذلك، فالعائلة أولى بالميراث. الابن مستعد، الزوجة جاهزة، وابن العم في الانتظار. شعار المرحلة: “الكرسي لا يُغادر العائلة”!
وهكذا، تتحول الانتخابات من فرصة للتغيير إلى مسرحية إعادة تدوير نفس الوجوه، ويصبح الكرسي غاية في حد ذاته، لا وسيلة لخدمة الناس. والمحصلة؟ وطن يشيخ، مؤسسات تترهل، وكفاءات تُقصى… فقط ليبقى سيادة “المنتخب” فوق الكرسي، حتى وإن تحول الوطن كله إلى رماد.
هل نلومهم؟ ربما. لكن الأهم أن نسأل: من يزرع فيهم هذا الإحساس بالخلود؟ أليس هو صمت الناس، وضعف المحاسبة، وغياب التداول الحقيقي للسلطة؟ الكراسي لا تلتصق إلا إذا كان الجو العام يسمح بذلك.
أما الحل؟ فربما في إعادة تعريف المنصب كـ”تكليف لا تشريف”، وأن يُكتب على كل كرسي في البرلمان والمجالس المحلية والوزارات: “هذا المقعد يُغادر طوعًا أوقسرا
تعليقات ( 0 )