بين الذكورة والأنوثة. صراع سلطوي توتّر العلاقات الإنسانية
كوثر صافر
لعل أكبر الصراعات التي تنعكس بشكل واضح على مجتمعاتنا العربية هو الصراع بين الجنسين، فعلى الرغم من علاقات الحب والزواج وانجذاب الطرفين والحنين الفطري لكل منهما تجاه الاخر، الا أن هذا الصراع الأزلي يعد بمثابة سم بطيء يهدد استمرارية العلاقة ويهدم البناء الأسري للمجتمعات على أبعد الحدود.
بالعودة الى الاطار التاريخي لصراع الذكورة والانوثة، فلم تنفك الروايات العالمية والأساطير الأزلية عن تصوير الصراع المحتدم بين الجنسين، فتارة سلطة الانثى على الذكر وتارة سلطة الذكر على الانثى.
و قد صورت حكاية ألف ليلة وليلة سلطة الرجل على المرأة وفقدانه الثقة في جنسها، حيث تمركزت على شخصية الملك شهريار الذي تزوج بامرأة مختلفة كل ليلة وسلبها حياتها مع بزوغ الفجر، الا أن حيلة شهرزاد التي تمثلت في مراوغته بالحكايات للعفو عن حياتها الى أن وصلت لالف ليلة صدته عن التمكن منها ثم قتلها بعد نيل مبتغاه.
اذ يمثل شهريار الرجل العربي الذي تم تدمير علاقته بالمرأة لتقف حاجته اليها على الليالي فقط في حين تمثل شهرزاد المرأة الضعيفة التي دفعتها غريزة البقاء إلى التنازل للرجل والخضوع لسلطته ومساومته ومفاوضته على حقوقها البديهية.
و خلال نضالها النسوي فقد قتلت جمانة حداد شخصية شهرزاد في كتابها “هكذا قتلت شهرزاد”، مؤكدة أنها ليست بطلة انما مؤامرة ذكورية على المرأة بحيث أفقدها المجتمع العربي كيانها الخاص باعتبارها حرمة واخضاعها جسديا وفكريا وسياسيا وقانونيا واجتماعيا لسلطة الرجل.
لكن أيعني هذا أن المرأة دائما خاضعة؟
لم تكن المرأة دائما خاضعة ذليلة مضطهدة تحت رحمة الرجال، بل في رواية أخرى حكمت امرأة جيشا من الرجال، فكليوباترا حكمت مصر وامتد نفوذها الى اوروبا، وسيطرت على فرسان العدو لتكون بذلك الشخصية الأنثوية التي أخضع حضورها أقوى المحاربين من الرجال.
بعيدا عن التاريخ الأجنبي، فشجرة الدر امرأة عربية مسلمة لعبت دورا مهما في تغلب الأيوبيين على الصليبيين، فضلا عن ذلك فقد حكمت مصر في فترة انتقالية، وعرفت معنى الهيبة والنفوذ وخضوع رقاب الامراء والضباط لها، وأمام قوتها ونفوذها ما كان لزوجها إبرام أمر إلا بمشورتها وتنفيذ أوامرها.
أمثلة عديدة جعلت من المرأة مسيطرة والرجل تحت رحمتها كما العكس، دون الانكار أنها لعبت دورا مهما في انشاء مجتمعات عدة.
لكن أليس من الظلم قليلا أن تشار أصابع الاتهام دائما للرجل.
فإذا ما ناضلت امرأة باسم النسوية صورت الرجال وحوش آدمية لا تسعى الا لإرضاء غرائزها مستخدمة نساء ضعيفات، واذا ما طالبت بحقوق طبيعية كان أول مطالبها الحرية الجنسية وإلغاء رمز العفة والشرف المختزل في قطرات دم.
و جاء على لسان رجال أن الرجل لم يعد متعطشا لقطرات الدم تلك في الليلة التي كانت تحدد مصير الانثى من طاهرة عفيفة الى عاهرة قذرة، بل بات متعطشا للوفاء والعيش بسلام.
ما يثبت ان رجل اليوم ليس هو رجل الامس كما أن امرأة اليوم ليست هي امرأة الأمس، فتعليم المرأة وتثقيفها وبلوغها مناصب عدة كالرجل كان سلاح ذو حدين، دفعها للدخول في دوامة من المقارنات مع الجنس الآخر، دون انكار القيمة المضافة للمرأة، بالنظر للأدوار التي باتت تشغلها في التقدم بالمجتمعات وتربية أجيال واعية ومثقفة.
لكن من الخطأ استخدام الثورة الفكرية للمرأة في اشعال فتيل حروب آخرها الاستمرار في الصراع على السلطة بين الجنسين.
فكما اتهمت الاناث ذكورا بالتسلط وصورت العنصر النسوي ضحايا للذكورية، وضع الرجل مكان المرأة واتهمها بالفتنة والشر وممارسة مخططات بشعة لارضاء ذاتها، مصورا الرجال ضحايا للمرأة.
الناتج عن كل ما سبق لا شيء، نعم لا شيء سوى صراع أبدي يعمي عن رؤية أساس العلاقة الانسانية بين الطرفين الهادفة إلى المحافظة على النسل الانساني، فالمرأة لا يعيبها وجود غشاء بين فخذيها والرجل لا يعيبه جيبه كما هو متداول.
ما يعيبنا هو الرغبة الأنانية في السيطرة، هو التعصب في الرأي وعدم اللجوء الى المنطق في تحليل طبيعة العلاقة وهدفها، إن كان الرجل رمز للنسب فالمرأة رمز للخصوبة، هو لباس لها وهي لباس له ولا استمرارية للجنس البشري دون وجود الطرفين.
ما ان نصل إلى القناعة التامة الى أن الطرفين في حاجة ماسة لبناء علاقة مبنية على الود والاحترام والتفاهم والحوار، دون محاولة طرف لإخضاع الثاني او الوصول الى القوة والنفوذ في العلاقة، سينتهي الصراع، لتبنى العلاقات الاسرية على أسس السلام التام بين طرفين تلاقت أرواحهما وأضحى كل منهما تكملة للثاني لا استمرار له بدونه.
شارك هذا المحتوى:
إرسال التعليق