هند بومديان
“حين تصرخ الأنثى في صمت.. ويختبئ الذكر خلف قناع السلطة”
في مجتمعاتٍ تلبس ثوب الحداثة وتنام على وسادة التخلف، ما زال الصوت الأنثوي يُخنق بألف طريقة، وما زال الذكر يتوهم أن السلطة هي امتداد لرجولته، وأن السيطرة تمنحه اكتمالًا ما. لا أحد يربح في هذه المعادلة المختلّة. المرأة تُجلد بنار الصمت، والرجل يُساق كالأعمى خلف صورة مشوّهة لرجل لا يتألم، لا يتراجع، لا يتكسر.
تَربَّينا على أن الذكر قائد بالفطرة، وأن الأنثى تابِعة بطبعها. وتَشرَّبنا وهمًا قديماً يقول: “الرجل عقلٌ والمرأة عاطفة”. لكن الواقع يكشف هشاشة هذا التصنيف، ويُعرّي كذبة “الفطرة” التي صيغت بمداد من خوف وعُقد.
الأنثى بين عبودية الطاعة وثورة الصمت
الأنثى في هذا المجتمع لا تحتاج إلى سلاسل في قدميها كي تُستعبد، فالنظرات، والأحكام، والتوقعات الاجتماعية كافية لشلّ حركتها. تعلّمت أن تبتسم وهي موجوعة، أن تربي وتُضحي وتُكافح، دون أن تُطالب بشيء. أن تسكت حين تُهان، وأن تُسامح حين تُكسَر. لكن في داخلها صرخة… صرخة لا يسمعها أحد، لأنها تأتي بهدوء، في الليل، حين تُطفأ الأضواء وتبقى وحدها مع جراحها.
الذكر المزيّف… حين تخنقه رجولته
والرجل؟ الرجل تائه في صراعات لا يفهمها. يعتقد أن الهيمنة قوة، وأن السيطرة حب. يخشى أن يُظهر ضعفه فيُتهم بأنه ليس “رجلاً كفاية”. فيُكابر، ويُمارس القمع، ويكتم حزنه، ويغرق في صمته، حتى يصبح قناع الرجولة سجنه الأبدي.
هذا الذكر ليس حرًّا. إنه عبد لصورة صُنعت له، لا من روحه، بل من تاريخٍ متخم بالخوف من النساء.
المجتمع الخاسر الأكبر
حين تُقصى المرأة من القرار، يخسر المجتمع نصف عقله. وحين يُجبر الرجل على أن يكون جلادًا، يفقد المجتمع نصف قلبه. لا المساواة تحققت، ولا العدالة وجدت طريقها. نحن نعيش بين التناقضات، نُحرّك الكلمات الكبيرة في المؤتمرات، بينما نُمارس أبشع أشكال التمييز في البيوت، في المؤسسات، في الأحلام التي نزرعها في عقول الصغار.
نحو وعي جديد
لسنا بحاجة إلى امرأة تُقلّد الرجل، ولا إلى رجل يُملي على المرأة كيف تعيش. نحن بحاجة إلى إنسان جديد. إنسان يُربّى على أن القيادة لا تُقاس بالجنس، وأن الكرامة لا تحتاج إلى تفويض، وأن الحب لا يعني الهيمنة.
حين تصرخ الأنثى في صمت، فإنها تُعلن نهاية صبرٍ لم يُقدّر. وحين يختبئ الذكر خلف قناع السلطة، فهو لا يقود، بل يهرب من مواجهة نفسه.
وما لم نكسر هذا القناع، ونحرّر الصرخة، سيظلّ كل طرف يجرّ الطرف الآخر نحو الهاوية… باسم الرجولة، وباسم الأنوثة، بينما تُذبح الإنسانية في المنتصف.
تعليقات ( 0 )