خمسون سنة على المسيرة الخضراء: المغرب يرسخ ملامح الحل النهائي لقضية الصحراء

‏مع الحدث: النعمة ماء العينين

 

‏بعد مرور خمسة عقود على المسيرة الخضراء، التي شكلت حدثاً فارقاً في مسار استكمال الوحدة الترابية، يدخل ملف الصحراء المغربية مرحلة جديدة تتقاطع فيها الرمزية الوطنية مع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية. ومع حلول الذكرى الخمسين لهذه الملحمة الخالدة، يتضح أن النزاع المفتعل يقترب من نهايته، حيث لم يعد خيار الاستفتاء مطروحاً في مجلس الأمن، في وقت تتوسع فيه دائرة الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي والنهائي.

 

‏منذ أن قدم المغرب مبادرته سنة 2007، عزز موقعه كصاحب السيادة الشرعية والأصلية على أقاليمه الجنوبية، وقاد مسار صياغة مستقبل المنطقة انطلاقاً من ثوابته الوطنية. الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء سنة 2020 كان منعطفاً استراتيجياً، تبعته فرنسا وإسبانيا وبريطانيا بدعم صريح للمبادرة المغربية، فضلاً عن تأييد دول مجلس التعاون الخليجي ومعظم الدول العربية والإفريقية. وقد تُرجِم هذا الزخم على أرض الواقع بافتتاح أكثر من ثلاثين قنصلية بالعيون والداخلة، في خطوة اعتُبرت اعترافاً ميدانياً بالسيادة المغربية. كما أن قرارات مجلس الأمن منذ سنوات تصف مبادرة الحكم الذاتي بأنها “جدية وذات مصداقية وواقعية وقابلة للتطبيق”، ما جعلها مرجعاً ثابتاً داخل الأمم المتحدة.

 

‏في المقابل، تعيش الجزائر عزلة دبلوماسية متزايدة بعدما فقدت الكثير من مواقعها التقليدية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. أطروحة “تقرير المصير” فقدت أي صدى في عالم يتجه نحو التكتلات الكبرى، حيث يُنظر إلى مشاريع الانفصال كعوامل هشاشة وعدم استقرار. أما ميليشيات البوليساريو الانفصالية، التي تعاني من انقسامات وصراعات داخلية وتفتقد إلى أي مشروعية شعبية، فقد ازدادت صورتها اهتزازاً بعد تقارير دولية عديدة تحدثت عن ارتباطات مشبوهة بين عناصرها وتنظيمات متطرفة في منطقة الساحل، إلى درجة أن الكونغرس الأمريكي ناقش إمكانية إدراجها على لائحة التنظيمات الإرهابية. وهكذا لم يعد خطاب الانفصال سوى عبء سياسي وأمني.

 

‏الأهمية الاستراتيجية للصحراء المغربية لم تعد تقتصر على بعدها السيادي، بل تشمل أيضاً بعدها الاقتصادي والطاقي. فمنذ أن أطلق جلالة الملك محمد السادس النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية سنة 2015، تحولت المنطقة إلى منصة لوجستية واقتصادية رائدة نحو إفريقيا. مشاريع كبرى مثل الطريق السريع تزنيت–الداخلة وميناء الداخلة الأطلسي جعلت من الجنوب المغربي بوابة طبيعية على أسواق غرب إفريقيا والساحل.

 

‏كما أن التحولات الطاقية العالمية عززت مكانة الصحراء المغربية باعتبارها رافعة استراتيجية للطاقات المتجددة. فالمملكة استثمرت بكثافة في مشاريع الطاقة الشمسية والريحية والهيدروجين الأخضر، لتصبح من بين أكثر الدول الإفريقية جاهزية للاندماج في السوق الدولية للطاقات النظيفة. إضافة إلى ذلك، تزخر المنطقة بمعادن استراتيجية مثل الكوبالت، الذي يعد أساسياً لصناعة البطاريات والسيارات الكهربائية، مما يجعلها فضاءً حاسماً في الاقتصاد الأخضر العالمي.

 

‏وفي سياق التوازنات الدولية، تبقى مواقف روسيا والصين تحت المراقبة. فهذان البلدان، العضوان الدائمان في مجلس الأمن، حافظا على حياد براغماتي قائم على مرجعية الأمم المتحدة، غير أن اعتبارات استراتيجية قد تدفعهما إلى دعم أوضح. الصين، التي ترفض أي نزعات انفصالية في قضاياها الداخلية مثل تايوان وشينجيانغ والتبت، تجد في مقترح الحكم الذاتي المغربي صيغة منسجمة مع فلسفتها السيادية. أما روسيا، الساعية إلى توسيع حضورها في إفريقيا وسط منافسة متصاعدة مع الغرب، فقد ترى في المغرب شريكاً موثوقاً يفتح أمامها آفاق تعاون جديدة.

 

‏الجلسة المقبلة لمجلس الأمن في أكتوبر 2025 تأتي في هذا المناخ، لتشكل محطة فاصلة في مسار النزاع. فهي تتزامن مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء ومع دينامية دبلوماسية متصاعدة تصب في صالح المقترح المغربي. وأي تحول في موقفي موسكو وبكين سيعني عملياً إنهاء مرحلة الغموض وترسيخ إجماع دولي على أن الحكم الذاتي هو الحل النهائي القابل للتنفيذ.

 

‏إن الصحراء المغربية لم تعد مجرد ملف نزاع إقليمي، بل أضحت فضاءً استراتيجياً لتشكيل مستقبل إفريقيا، ومنصة للطاقة الخضراء والتكامل الاقتصادي. ومع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، تتضح أكثر من أي وقت مضى معالم الحل في مسار يقوده المغرب بثقة تحت الرؤية الملكية السديدة، ويترسخ بدعم دولي متنامٍ لإغلاق ملف طال أمده حول أرض مغربية جغرافياً وتاريخياً.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)