رقمنة الإرهاب.. لماذا يحاول تنظيم داعش الدخول لعالم العملات المشفرة من جديد؟

رقمنة الإرهاب.. لماذا يحاول تنظيم داعش الدخول لعالم العملات المشفرة من جديد؟

متابعة . يوسف الجهدي

ببطاقة مشفرة من نوعية الرموز غير القابلة للاستبدال “NFTs”، أشاد أحد أنصار تنظيم داعش بالهجمات التي يشنها التنظيم ضد حركة طالبان الأفغانية، عبر منصة الأصول الرقمية الجديدة والمبنية على فكرة البلوك تشين، معلنًا بشكل صريح على أن التنظيم يستعد لدخول مرحلة جديدة في التعامل مع العملات والأصول الرقمية المشفرة، محاولًا تعويض الخسائر التي تلقاها على الأرض في سوريا والعراق وغيرها.

IMG-20220907-WA0017-294x300 رقمنة الإرهاب.. لماذا يحاول تنظيم داعش الدخول لعالم العملات المشفرة من جديد؟

ومع أن استخدام تنظيم داعش للأصول الرقمية لا يعد أمرًا جديدًا، إلا أن لجوءه لاستخدام الرموز غير القابلة للاستبدال (Non-fungible token) والمعروفة اختصارًا بـ”NFTs”، للمرة الأولى، كشف عن سعي التنظيم لتطوير نشاطه في “رقمنة الإرهاب”، واتجاهه لاستخدام التقنية المالية الجديدة لترويج أعماله وجمع التمويل اللازم لمواصلتها.

فبعد محاولاته السابقة لتأسيس شبكات رقمية لتمويل الإرهاب بالأصول الرقمية، عاد داعش إلى الواجهة من بوابة الرموز غير القابلة للاستبدال، محاولًا اختبار وتأسيس إستراتيجية جديدة للتواصل والتمويل، كما يُقدر مسؤولين كبار خدموا في الاستخبارات الأمريكية في وقت سابق.

ويلمح النشاط الداعشي الأخير في مجال الأصول الرقمية إلى سعي داعش لتأسيس بنية تحتية للخلافة الرقمية، تكون مهمتها البحث عن الدعاية والتمويل، بيد أن تركيزه على الرموز غير القابلة للاستبدال يبين أن التنظيم هدفه الأساسي استعادة زخمه الدعائي، بعدما تضررت آلته الإعلامية وانهارت، وتعرضت شبكاته الدعائية الإلكترونية لحملات حذف وملاحقة قوية من وكالات إنفاد القانون أثرت على قدراتها على الاستمرار والعمل.

مغامرة داعش في “NFTs”
دعوة التنظيمات الجهادية في سوريا لأنصارها للتبرع عبر العملات الرقمية
مغامرة داعش في “NFTs”
ففي الحقيقة، لا تؤدي الرموز غير القابلة للاستبدال وظيفة العملات المشفرة، وذلك لأن الأولى عبارة عن رموز مشفرة مبنية على البلوك تشين وهي غير قابلة للتداول لأن كل منها تحمل بيانات وصفية مميزة لا تتشابه مع بعضها البعض وبالتالي لا يمكن تبادلها لانتفاء المشابهة بينهما، بينما العملات الرقمية يمكن تداولها ونشرها على نطاق واسع بصورة أسهل من “NFTs”.

ولعل طبيعة الرموز غير القابلة للاستبدال المميزة جعلت التنظيم يُركز على استخدمها في العمل الدعائي، والترويج لهجماته الأخيرة ضد حركة طالبان وقياداتها، وذلك ضمن توجه أوسع للتنظيم يهدف إلى استقطاب أنصار جدد عبر العمل الإعلامي، كما اعتمد في السابق، والعودة للمشهد مرة أخرى.

وفي هذا الصدد، يقول الصحفي المصري أحمد شوقي العطار، مؤلف كتاب “الخلافة الرقمية: كيف أسس داعش دولته على الإنترنت؟” إن لجوء داعش للرموز غير القابلة للاستبدال ليس أمرًا مفاجئًا لأن داعش باعتباره نسخة متطورة من التنظيمات الإرهابية يستخدم إمكانيات وقدرات لم تستخدمها التنظيمات السابقة له كتنظيم القاعدة، مضيفًا أنه يحاول استخدام “NFTs” كمحاولة للعودة من جديد بعد سقوطه في العراق وسوريا.

ويشير “العطار” في تصريحات لـ”أخبار الآن” إلى أن تركيز داعش مجال الأصول الرقمية وخاصةً الرموز غير القابلة للاستبدال، يوفر له أمرين هامين أولهما: الدعاية بمعنى أنه يرسل رسائل مفادها أنه موجود ولم ينتهِ تمامًا ولا زال على قيد الحياة، وثانيهما: جمع التمويل الذي يُمكن أن يوفر له أموال طائلة لأن له مناصرين حول العالم إذا استجاب بعضهم لشراء تلك الأصول الرقمية سيكون لدى التنظيم قدرة على جمع مبالغ طائلة عبر الإنترنت، ليعود على السطح.

ويردف مؤلف كتاب “الخلافة الرقمية: كيف أسس داعش دولته على الإنترنت؟” أن المعاملات في سوق الرموز غير القابلة للاستخدام، في الغالب، معاملات سرية ومجهولة، وهو ما يزيد من الصعوبة التي تواجهها أجهزة مكافحة الإرهاب في إفشال والتصدي لهذا النوع العمليات، قائلًا إن البطاقتين اللتين أصدرهما “داعش” من الأصول غير القابلة للاستخدام ونشرهم عبر الإنترنت، نوع من التجربة بمعنى أنه يجرب استخدمهما على نطاق ضيق نوعًا ما ليرى ردود أفعال أجهزة ووكالات إنفاد القانون ويختبر قدراتها على تعقب وتعطيل هذه العمليات، وفي حال فشلت عملية التعقب وهذا وارد بالفعل لأن الأمر معقد، سيقوم التنظيم باعتماد هذه الوسيلة كآلية لجلب التمويل خاصةً بعد إغلاق قنواته المالية على الإنترنت، والصفحات والحسابات التي كان يستخدمها على مواقع التواصل لجمع التمويل.

العملات الرقمية وغواية التمويل المشفر للإرهاب
على أن نشاط داعش في مجال الأصول الرقمية لم يقتصر على سوق الرموز غير القابلة للاستبدال، إذ سعى التنظيم منذ إعلان خلافته المكانية في عام 2014، لتأسيس خلافة رقمية لها شبكات تمويل عبر العملات المشفرة كالبيتكوين، والإيثريوم، والمونيرو.. إلخ.

ولعل لجوء التنظيم إلى استخدام هذه العملات جاء بسبب طبيعتها الخاصة فهي عملات رقمية يتم التحكم بها سرًا وتُطبق التشفير لضمان أمنها ولا تدعمها أي سلطة مركزية، وعلاوة على ذلك تعمل في بيئة تنظيمية غير واضحة يجعل من الصعب تعقبها والوصول إلى مصدرها، وفق دراسة سابقة لمؤسسة راند الأمريكية للأبحاث.

وبدأت العملات المشفرة في عام 2009، تقريبًا، بعد نشر حساب مجهول يُسمي نفسه “ساتوشي ناكاموتو” ورقة بحثية على الإنترنت بعنوان “البيتكوين: نظام نقدي إلكتروني من شخص لآخر”، قدم فيها العملات الرقمية كبديل للنقود الورقية، معتمدًا على نظام الند للند “البير تو بير”، الذي يمكن المستخدمين من التعامل مباشرة مع بعضهم دون الحاجة إلى وسيط بنكي أو نقدي.

وحاول داعش، منذ عام 2014، أن يُنظّر لمشروعية التعامل بهذه العملات، مخالفًا الفتاوى الصادرة عن المؤسسات الدينية الإسلامية بحرمة استخدامها، فنشر أحد شرعيّ التنظيم والمعروف بـ”تقي الدين المنذر” مقالًا مطولًا بعنوان: “بيتكوين وصدقة الجهاد”، دعا من خلاله لاستخدام العملات الرقمية في تمويل داعش، قائلًا إنه لا يمكن إرسال حوالة مصرفية لأي جهادي دون أن تكون الحكومات على علم بها، والحل المقترح هو “البيتكوين” لإعداد نظام تبرع مجهول، يمكن أنصار التنظيم من إرسال ملايين الدولارات التي ستصل على الفور له.

وبالفعل أطلق داعش ما سُمي بـ”صندوق الكفاح الإسلامي” وهو صندوق رقمي على شبكة الإنترنت المظلم “دارك ويب” كان يتبع لموقع “أخبار المسلمين”، وهو أحد المواقع المرتبطة بالتنظيم والذي حُذف من شبكة الإنترنت السطحية (العادية)، وخُصص الصندوق لجمع التمويل بالعملات الرقمية وتحديدًا البيتكوين.

وعلى نفس المنوال، أطلق جهاديون سوريون وأجانب موقعً خاصًا هو “صدقة كوينز” لتلقي التمويلات بالعملات الرقمية المشفرة، وروج الجهاديون للموقع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ودعوا للتبرع له لشراء أسلحة ومعدات للتنظيمات النشطة داخل سوريا، وذلك قبل أن يُحذف الموقع في وقت لاحق.

كما أعلن تنظيم القاعدة في عدد سابق من مجلة “ذئاب منهاتن”، تخصيص مكافئة قيمتها 1 بيتكوين يتم تحويلها لأي فرد ينفذ هجومًا إرهابيًا في أي دولة غربية، بشرط أن يقوم بتصوير هذا الهجوم وإرساله للتنظيم.

أسباب لجوء الجهاديين للأصول الرقمية
وتشرح كريستين لاغارد، رئيس البنك المركزي الأوروبي والمدير العام السابق لصندوق النقد الدولي، في مقال سابق لها بعنوان: “معالجة الجانب المظلم في العالم المشفر” أسباب لجوء التنظيمات الإرهابية لاستخدام الأصول الرقمية قائلةً إن سبب جاذبية الأصول المشفرة (أو العملات المشفرة) هو كونها تنبني على أساس لا مركزي ودون الحاجة إلى البنك المركزي، وهو ما يسمح بتداولها دون الكشف عن هوية الأطراف المتعاملة، فيما يشبه المعاملات النقدية إلى حد كبير، وهذا السبب الذي يجعلها أصولا خطرة لأن المحصلة النهائية لها تجعلها أداة جديدة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتلفت “لاغارد” إلى أن هناك أمثلة على استخدام العملات الرقمية في الأنشطة غير المشروعة منها نجاح الولايات المتحدة في إغلاق سوق ألفاباي (AlphaBay)، عام 2017، والذي ظل لأكثر من عامين ساحة لبيع المخدرات وأدوات القرصنة الإلكترونية والأسلحة والمواد الكيميائية السامة على مستوى العالم، والذي بلغ حجم التداول عليه نحو مليار دولار أمريكي عن طريق عملة البيتكوين وغيرها من الأصول المشفرة الأقل شهرة.

وتُشدد رئيس البنك المركزي الأوروبي على ضرورة تطوير الأطر التنظيمية اللازمة لمواجهة هذا التهديد الناشئ للاستخدام الأصول الرقمية، مؤكدةً أن العديد من المنظمات بدأت بالفعل اتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الصدد.

وبدوره، يقول الصحفي المصري أحمد شوقي العطار إن استخدام داعش للأصول الرقمية لتوفير التمويل اللازم له يضع الجميع أمام تحدي يصعب التعامل معه بشكل كبير، لأن أجهزة مكافحة الإرهاب ستواجه صعوبة في مواجهة التمويل الرقمي، في الوقت الذي للتوسع في استخدام الإرهاب الرقمي وآلياته، وهو ما ستستفيد منه كل التنظيمات الإرهابية بجانب الذئاب المنفردة في الغرب والتي قد تستخدم الأصول الرقمية في توفير الموارد اللازمة لشن هجمات إرهابية ضد المجتمعات التي يعيشون بها.

ويضيف “العطار” أن داعش له تجربة في استخدام الأصول الرقمية كالبتكوين وغيرها ويفضل استخدمها لأنها مجهولة المصدر، ومتاحة للشراء بسهولة عبر الإنترنت، ومن الممكن أن تُنتقل إلى أي مكان في العالم بما في ذلك الأماكن النائية في أفغانستان واليمن، وإفريقيا، كما أن الحسابات الإلكترونية المشفرة الخاصة بها تكون غير خاضعة للرقابة أو المسألة ويتم التلاعب بالرقابة إن وجدت، وذلك باعتراف أجهزة مكافحة الإرهاب.

ويستطرد الصحفي المصري أن نشاط داعش في البيتكوين، بدأ في أعقاب إعلان الخلافة المكانية، وأصدر التنظيم أكثر من وثيقة إلكترونية تخص هذا الأمر، من أهمها وثيقة “البيتكوين وصدقات الجهاد” لتقي الدين المنذر، بجانب وثائق إلكترونية للتوعية باستخدام العملات الرقمية وإرسالها للتنظيم بشكل سري، كما بدأ في 2015، حملة إلكترونية على مواقع تويتر ، وفيس بوك، وتيليجرام حملة للدعوة للتبرع بالبيتكوين، وكان لديه فريق يُشبه خدمة العملاء على تيليجرام يتولون شرح عملية التحويل للتنظيم بالعملات الرقمية، ودعا لاحقًا إلى التبرع بعملات أخرى بـ”المونيرو ” كونها أكثر أمانًا ومجهوليةً.

ووفقًا لمؤلف كتاب “الخلافة الرقمية: كيف أسس داعش دولته على الإنترنت؟” فإن المشكلة الحالية التي تواجه داعش في استخدام الأصول الرقمية وخاصةً البتكوين هو قدرته على تسييل العملات أو الأصول الرقمية والتي تطلب ماكينات صرافة من نوع خاص لا تتوافر للتنظيم في مناطق نشاطه بأفغانستان واليمن وإفريقيا، مبينًا أن التنظيم استطاع الاستفادة من تلك الأصول سابقًا لأنه تعامل مع وسطاء في الدول المجاورة لسوريا والعراق مكنوه من تسييل تلك الأموال، كما استخدمها في شراء المواد غير المشروعة على الإنترنت المظلم كالأسلحة، ومواد صنع القنابل، وجوازت السفر المزورة.. إلخ، لكنه الآن أصبح عاجزًا عن استخدمها بنفس الصورة السابقة، لا سيما بعد انهيار خلافته المكانية عام 2019.

ويذكر أحمد شوقي العطار أن أجهزة مكافحة الإرهاب العالمية ضبطت العديد من أنصار داعش المتعاملين بالعملات الرقمية والذين حولوا تبرعات لتنظيم داعش، كما نجحت في تفكيك الشبكات المالية الرقمية التي استخدمها التنظيم في جمع التبرعات من محبيه وأنصاره، واستقبال التمويل من جهات وكيانات تدعمه، في فترة من الفترات، وهو ما انعكس على التنظيم.

خدمة لداعش أم خدعة استخبارية؟
وعلى ذات الصعيد، تعيد عملية نشر الرموز غير القابلة للاستبدال “NFTs” التي تحمل علامة داعش الجهادية، تسليط الضوء على العمليات التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الأمريكية ومنها مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI لاستدراج أنصار داعش وإلقاء القبض عليهم، وهو ما حدث في أكثر من مناسبة منها القبض على “زوبيا شاهناز” التي مولت داعش بمبلغ قدره 62 ألف دولار جرى تحويلها بعملة البيتكوين المشفرة، وأيضًا “الفين هانتر ويليامز” المتهم بتمويل الإرهاب ومحاولة الالتحاق بفرع تنظيم داعش في شبه جزيرة سيناء المصرية.

وبحسب ما ذكرته صحف أمريكية فإن المصادر البشرية لمكتب التحقيقات الفيدرالي استدرجوا أنصار داعش ومنهم “الفين هانتر ويليامز” بعد أن ادعوا أنهم مجندين تابعين لتنظيم داعش، وحصلوا على معلومات من أنصار التنظيم أدت لإجهاض مخططات إرهابية، وقاموا في نهاية المطاف بالقبض على هؤلاء “الدواعش” قبل قيامهم بشن أي هجمات أو التحاقهم بالتنظيم الإرهابي.

ومن غير المستبعد أن يكون نشر بطاقات داعش على الرموز غير القابلة للاستبدال عبارة عن محاولة أخرى للإيقاع بأنصار داعش في الولايات المتحدة والغرب في قبضة أجهزة الاستخبارات الأمريكية، ولعل هذا أحد الأسباب التي جعلت تنظيم داعش، يقوم بإلغاء حساب التبرع بالبيتكوين عبر النسخة الحالية من موقعه “أخبار المسلمين”، وهو الذي دفع أيضًا الجهاديين السوريين لإغلاق موقع “صدقة كوينز” بعد الدعوات المكثفة لتمويل العمليات الإرهابية بـ”الأصول الرقمية”.

نقلا عن صفحة المركزي للدراسات والأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة للأمن الوطني.

Share this content:

إرسال التعليق

You May Have Missed