مع الحدث
المتابعة ✍️: لحبيب مسكر
يُعدّ فاتح ماي من كل سنة يومًا عالميًا لتكريم الطبقة العاملة وتخليد نضالاتها من أجل تحسين ظروف العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية. يحتفل به الملايين حول العالم باعتباره رمزًا للتضامن العمالي والوحدة النقابية، وقد أصبح تقليدًا عالميًا يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية.
البدايات في شيكاغو
ترجع أصول عيد العمال إلى أواخر القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شهدت مدينة شيكاغو سنة 1886 واحدة من أبرز المحطات النضالية في التاريخ العمالي. فقد خرج آلاف العمال في مظاهرات ضخمة للمطالبة بتقليص ساعات العمل إلى ثماني ساعات يوميًا، بدلًا من 12 أو 14 ساعة، وسط ظروف استغلال قاسية.
اندلعت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة في ساحة “هايماركت” بشيكاغو، سقط خلالها عدد من القتلى والجرحى. ورغم القمع، أسفرت الحركة عن زخم عالمي ألهم النقابات والمنظمات العمالية في أوروبا والعالم لتبني نفس المطالب.
من أمريكا إلى العالم
سنة 1889، أعلن المؤتمر الاشتراكي الدولي في باريس اعتماد فاتح ماي عيدًا عالميًا للعمال، تخليدًا لذكرى شهداء شيكاغو ودعمًا لمطالبهم العادلة. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم موعدًا سنويًا للمسيرات والوقفات الاحتجاجية والمهرجانات النقابية التي تعكس طموحات الشغيلة وتُعبّر عن مواقفهم من السياسات الاجتماعية والاقتصادية.
في العالم العربي والمغرب
دخل الاحتفال بعيد العمال إلى البلدان العربية مع بروز الحركات العمالية والنقابات في النصف الأول من القرن العشرين. وفي المغرب، أُقيم أول احتفال بعيد العمال بعد الاستقلال سنة 1956، حيث اعتُبر مناسبة للتعبير عن وحدة الطبقة العاملة ومطالبها، خاصة في ميادين الأجور، الحماية الاجتماعية، والحق في التنظيم النقابي.
تحديات العامل المغربي اليوم
يواجه العامل المغربي في الوقت الراهن عدة تحديات بنيوية، تأتي في مقدمتها هشاشة الشغل وانتشار العقود المؤقتة، خاصة في قطاعات مثل الفلاحة، البناء، والنسيج. كما يعاني العديد من العمال من ضعف الأجور مقارنة بتكاليف المعيشة المتزايدة، إلى جانب ضعف التغطية الاجتماعية والصحية، وغياب الحماية القانونية في عدد من القطاعات غير المهيكلة.
ويُعاني الشغيلة في القطاعين العام والخاص أيضًا من محدودية الحوار الاجتماعي، وتراجع دور النقابات في التأثير على القرارات الاقتصادية، إضافة إلى تدني ظروف العمل، وعدم المساواة في فرص التكوين والترقي.
عيد أم محطة نضال؟
رغم طابعه الاحتفالي، لا يزال فاتح ماي يُمثل محطة نضالية في العديد من البلدان، حيث تستغله النقابات لرفع شعارات تطالب بالعدالة الاجتماعية، التغطية الصحية، حقوق المرأة العاملة، وحماية المكتسبات من التراجعات التي تهددها السياسات الاقتصادية الليبرالية.
ويظل عيد العمال فرصة لإعادة تسليط الضوء على أهمية العمل اللائق، وتعزيز دور النقابات في بناء مجتمع أكثر إنصافًا وتوازنًا، يُقدّر الإنسان قبل الأرباح.
عيد العمال: تاريخ نضالي يُخلّد في فاتح ماي

تعليقات ( 0 )