غزة: حين يُقتل الجائع بصمت العالم…

متابعة سيداتي بيدا 

عضو الاتحاد الدولي الصحافة العربية

في غزة، لا تموت الأجساد بالقذائف فقط، بل تُزهق الأرواح جوعًا، ويُخنق الأطفال عطشًا، وتُكتم أنفاس الأمهات خلف جدران الحصار.

غزة، حيث يتقاطع الجوع مع الذل، والبراءة مع الإهمال، والحق مع التجاهل، ويمتدّ صمت العالم كجدار عازل بين إنسانيتهم وإنسانيتنا.

لسنا هنا أمام مجرّد أزمة إنسانية عابرة، بل أمام وصمة عار ستبقى تلاحق الضمير العالمي إلى ما لا نهاية.

في زمن التكنولوجيا والاتصال الفوري، يعرف الجميع أن غزة تُجَوَّع عمدًا. ومع ذلك، لا أحد يتحرك.

رسول الرحمة، محمد صلى الله عليه وسلم، أخبرنا عن امرأة دخلت النار لأنها حبست هرة، لا أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.

وفي المقابل، غُفر لامرأة أخرى لأنها سقت كلبًا كان يلهث من العطش.

أليست هذه رسالة إلهية بليغة؟

أليست دليلًا قاطعًا على أن تجويع أي مخلوق هو من أقبح الجرائم في ميزان الله؟

فكيف بتجويع شعب بأكمله؟ كيف بأمهاتٍ يحترقن قهرًا لأنهن لا يملكن ما يسكت جوع أطفالهن؟

حين يصبح القانون عاجزًا عن العدالة

القانون الدولي نفسه، بكل مواثيقه، لا يحتمل التأويل في هذه المسألة:

البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977)، المادة 54:

« يُحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب.»

نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، المادة 8:

«تجويع المدنيين عمدًا يُعدّ جريمة حرب.»

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، المادة 25، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)، المادة 11:

«لكل إنسان الحق في الغذاء الكافي، وفي مستوى معيشي كريم يضمن الكرامة والصحة.»

لكن يبدو أن هذه المواثيق تُفرّغ من معناها حين يتعلق الأمر بشعب لا يملك حلفاء أقوياء، أو نفوذًا دوليًا.

فجأة، يصبح الجوع أداة “سياسية”، والحصار “وسيلة ضغط مشروعة”، ويُستباح الخبز والماء والدواء باسم “المصالح”.

أين أنتم؟

أين أنتم يا من تتغنون بالحضارة؟

أين أنتم يا من تصدّعون رؤوسنا بخطابات حقوق الإنسان؟

أين أنتم أيها المفكرون، والشعراء، والإعلاميون، والمثقفون؟

أين أنتم يا من تقولون إن العالم قرية صغيرة، ولا ينام الضمير؟!

ها هو الضمير قد نام، والقرية صارت صحراء جافة لا يَنبض فيها قلب.

أي حضارة هذه التي ترى الجوع وتُبرّره؟

أي عالَم هذا الذي يرى طفلاً يموت من العطش، ويواصل التوقيع على بيانات “القلق العميق”؟

أي مجتمع دولي هذا الذي لم يعد يملك سوى الصمت؟

غزة ليست قضية سياسية… بل قضية إنسانية

غزة لا تطلب معجزات، ولا تبتز أحدًا، ولا تسعى وراء الفوضى.

غزة فقط تريد أن تأكل.

أن تشرب.

أن تتنفس.

من يريد أن يقرأ ما يحدث هناك كصراع سياسي، فليفعل.

لكننا نراه جريمة تجويع، وعارًا أخلاقيًا، وامتحانًا للإنسانية، لا ينجح فيه إلا أصحاب القلوب الحية.

نختم بكلام الله

قال الله تعالى:

“وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَـٰرُ”

وقال عز وجل:

“إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ”

غزة لا تموت فقط… بل يُترَك لها أن تموت، عن سبق إصرار وترصّد.

لكنّ التاريخ لا يرحم، والله لا يغفل، والدموع لا تجفّ.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)