“كلنا
ذ أحمد براو
يستعد مؤتمر الأساقفة الإيطالي والجاليات المسلمة لاتخاذ “خطوة مهمة” جديدة عندما يجتمع ممثلوها يومي 25 و 26 يونيو، في جزيرة لامبيدوزا. في رحلة بحرية للحوار والأخوة الإنسانية والصداقة المسيحية الإسلامية.
بعد الاجتماع الذي عقد في المسجد الكبير بروما في 29 يونيو 2019 والذي تناولت فيه حلقة النقاش “المواطنة: الحقوق والواجبات والتنوع والمساواة” تحديات المواطنة في المجتمعات التعددية المعاصرة؛ بعد الاجتماع الإسلامي الكاثوليكي في لوبيانو في 26 يونيو 2021، حينما ركز على القضايا البيئية مستندا على وثيقة أبو ظبي.
المكتب الوطني للمسكونية والحوار بين الأديان التابع للمؤتمر الأسقفي الإيطالي، جنبًا إلى جنب مع قادة الجاليات الإسلامية الرئيسية الحاضرة في إيطاليا اتفقا على أن الوقت قد حان من أجل “خطوة جديدة” : استئناف الرحلة، بمناسبة انعقاد لقاءات المجمعية للكاثوليك “Sinodo”، لمعالجة مسألة المواطنة البالغة الأهمية في هذه اللحظة التاريخية. الاعتقاد السائد بأن التعددية والتنوع في الدين واللون والجنس والعرق واللغة هي إرادة إلهية حكيمة، خلق الله بها بني آدم وأن “الله خلق كل البشر متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة، وأمرهم ليعيشوا معًا ويتعارفوا كأخوة فيما بينهم، لتعمير الأرض ونشر فيها قيم الخير والإحسان والسلام”، دعت وثيقة أبو ظبي حول الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والتعايش المشترك (4 فبراير 2019) على المسيحيين والمسلمين “أن يلتزموا بترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة في مجتمعاتهم على أساس المساواة في الحقوق والواجبات التي ينعم الجميع في ظلها بالعدالة”.
وفي ورشة العمل حول المواطنة في 29 يونيو 2019 في الجامع الكبير بروما، أدركنا أن من بين الأفكار التي تربط بين الدين والمواطنة هي رؤية حقوق الإنسان، وهي أسس المنتوج القانوني الحديث، المحفورة بالفعل في النصوص المنزلة: حقوق الإنسان أصلا هي أمر إلاهي، والشرائع الإلاهية بطبيعتها تمس أفقًا أوسع من القوانين الوضعية، وهي موضوعة في مستوى مختلف. ومن ناحية أخرى، يرسم القانون الإنساني مثل الدستور إطارًا يتم فيه دمج الأديان المختلفة مع تقاليدها المقدسة ونصوصها الموحاة. نعم، لا تتطرق الدساتير للحديث عن الحياة الأخرى والغيبيات، لكنها في عالمنا الحاضر هي الموطن المشترك لجميع المؤمنين وغير المؤمنين، لذا فإن الأمر يتعلق بتطوير ثقافة دستورية تكون دائمًا موازية للثقافة الدينية.
وأي مكان، وأي وجهة، أكثر أهمية من جزيرة لامبيدوزا “Lampedusa” اليوم بالنسبة لإيطاليا وأوروبا للكلام عن الحقوق والواجبات والمساواة والعدالة؟
هذا إذن هو قرار الانطلاق والوصول إلى لامبيدوزا بين المسيحيين والمسلمين في رحلة إلى المواطنة ومن خلالها رحلة معًا من أجل التعارف والتبادل، بين الأمواج العاتية والمنخفضة، بين المد والجزر عن طريق الاستماع والمشاركة والصمت والصلاة والتأمل.
إنها ليست “سفينة الحمقى” التي أطلقها هيرونيموس بوش، حيث يعتقد أن مشروع المواطنة المشتركة أمر مستحيل. إن القارب المبحر إلى لامبيدوزا على العكس من ذلك، هو قارب له وجهة واتجاه محددان للغاية: أولئك الذين يؤمنون بأن كرامة الإنسان والأخوة والصداقة الاجتماعية هي أساس المواطنة والأعمدة التي بدونها يكون التعايش في مجتمعاتنا مستحيلا، ولمواجهة التحديات التي تواجه العولمة.
لقد أظهر التاريخ العديد من أنواع الرحلات والقوارب: في كثير من الأحيان، للأسف، القوارب التي اعتقدت أنها يمكن أن تسافر بشكل أفضل عن طريق الإنزالات “المختلفة” إلى مواقع دونية أو ردمها في الأعماق، وهذا لا يزال يحدث اليوم في أجزاء كثيرة من العالم وفي البحر الأبيض المتوسط نفسه، حيث تحطمت أحلام آلاف الأشخاص في المواطنة. في الواقع، لم تصل هذه القوارب أبدًا إلى أي هدف: فهي تضيع في السعي وراء أوهام سريعة الزوال أو تتحطم بشكل كارثي.
صحيح هذه أصبحت “سفن حمقى” مؤلمة، مصيرها الغرق في دوامة العنف التي أطلقتها أوهامهم.
لقد شهد العالم كله الفظائع التي أحدثتها “المواطنة الخاضعة للإديولوجيات الشمولية في القرن الماضي. ولمنع عودة هذا الشر، وعدت منظمات حقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية بمواطنة أخرى، مواطنة نشطة، تبدأ من الأماكن التي يمارس فيها الرجال والنساء شخصياتهم (العمل، المدرسة، المجتمعات المدنية والدينية) تقوم على احترام الحاجات الأساسية للإنسان، على كرامته المتساوية وغير القابلة للإنتهاك، وعلى عدم الحؤول بينه وبين إعمال حريته الكاملة في الوجدان والتدين.
الدساتير في حوض البحر الأبيض المتوسط بأكمله انعكاس ديني يدفع التزام العديد من النساء والرجال في المجتمع المدني بقصص بدأت في الأصل على مسارات مختلفة والتقت في نفس الاتجاه، فالمواطنة على الرغم من ولادتهما في سياقات مختلفة ولأغراض مختلفة، بعد أن تركوا وراءهم سرابًا شموليًا خطيرًا، وجدوا أنفسهم يلتقون في الأمل العالمي المعلن في النصوص الدولية التي توحد اليوم تطلعات شعوب ضفتي هذا البحر المشترك. انطلاقًا من الإدراك بأن المواجهة بين المسيحيين والمسلمين، على مرّ التاريخ، مليئة بالتأكيد بحلقات من الحساسية وقليل من التعايش والإحترام المتبادل، وهناك انتهاكات وصعوبات، تتساءل الأديان أيضًا عن نفسها “حول العلاقة بين العنف والدين، وهي المكان الذي تتفاقم فيه الاختلافات العقائدية إلى درجة الإنكار التام للآخر. أحد المواقف هو اعتبار العنف تلاعبًا بالأديان لأغراض غير دينية (اقتصادية ، سياسية، اجتماعية ، إلخ). لذلك فإن الدين ضحية للعنف. ومن المشروع أن نتساءل من جهة أخرى عما إذا كانت خلفية العنف لا تنتمي إلى جوهر الأديان. في هذه النقطة المحددة من المهم العمل بأدوات التأويل، لوضع سياق “للرسائل الدينية العنيفة الأصلية” في الزمكان وفي إعادة قراءة النصوص المقدسة في ضوء الخلفيات التي – على الأقل من حيث المبدأ – تم تأويلها حتى الآن من حيث الحقوق والواجبات والمساواة والتضامن دون تمييز على أساس الجنس والعرق واللغة والأحوال الشخصية والاجتماعية، وبالفعل الدين..
يجب أن يكون مشاركة هذا الوعي والاعتراف بمسؤولياتنا أول عمل لتحالف جديد بين المؤمنين اليوم، شاهد على الاقتناع بأن المبادئ المشتركة للمسيحية والإسلام في السياق العالمي والعلماني المعاصر بالتحديد، تدعم إمكانية التزام المؤمنين المسيحين والمسلمين بالمواطنة، مع احترام الجميع خصوصا غير المؤمنين، وداعمين للسلام والأخوة والصالح العام لمجتمعنا.
في هذا السياق ، وفي ضوء “وثيقة أبو ظبي”، سيكون عندها سؤال للمسيحيين والمسلمين، للتفكير في كيفية الاهتمام بالاختلافات الدينية والثقافية والتاريخية من خلال ترسيخ حقوق الإنسان العامة والمشتركة، حقوق للمساهمة في ضمان حياة كريمة لجميع الناس في الشرق والغرب، وتجنب استخدام سياسة الكيل بمكيالين. كما تؤكد وثيقة الإخوة البشرية، مرة أخرى لمبدا منطق حقوق الإنسان، في بناء المواطنة المشتركة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي سيكون من الأساسي نبذ الاستخدام التمييزي لمصطلح الأقليات، والتي يجلب معه بذور الشعور بالعزلة والدونية التي تمهد الطريق للعنف والإختلاف و يحط من الإنجازات والحقوق الدينية والمدنية لبعض المواطنين بالتمييز ضدهم.
لهذا فإن السفينة المتجهة إلى لامبيدوزا تريد أن تمثل نبوءة على الطريق الصحيح، والالتزام ببناء مواطنة مشتركة يكون فيها المواطنون المخلصون، بتمتعون بكرامة كاملة جزءًا نشطًا في إثبات الذات ونشر ذلك، بدءًا من البحر الأبيض المتوسط ، من الممكن أن “تكون في نفس القارب” وأن تبقى هناك، وتتعلم مشاركة الوقت الممنوح والقواعد والموارد للجميع، وتنمي المعرفة وتحترم الهويات المختلفة عن طريق تفكير أعمق وأكثر ثراء للإنسان. يتجاوز الانتماء، ولكن في نفس الوقت، يبدأ من الانتماء.
كما كتب البابا فرانسيس في المنشور الثالث Enciclica “إخوة جميعًا”
في لحظة تاريخية مليئة “بالتحديات” مثل تلك التي نمر بها ، للبحث في أعماق الأديان ، وكلها تهدف إلى تحقيق السلام والأمل (رسالة إلى المجتمعات المسيحية في وقت الجائحة) (CEI في 22 نوفمبر 2020 ) “الطاقات الجيدة التي يمكن أن توحد الشعوب المختلفة، والتوفيق بين أولئك البعيدين وتضميد جراح المجتمعات الهشة والمشرذمة، هي حاجة ملحة وبشكل متزايد”.
بتصرف: عن موقع مسكونية الكنيسة الكاثوليكية
Share this content:
إرسال التعليق