عبد الصمد عراك
تفجر خلال الساعات الماضية خلاف يهدد بنسف اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الوسطاء بين حركة حماس و جيش الاحتلال الاسرائيلي، هذا الأخير اتهم حماس بخرق الاتفاق من خلال عدم إطلاق سراح رهينة مدنية تقول انها تعمل في مركز الرصد الفضائي و الفلكي و هي ” اربيل يهود “، حركة حماس تعتبر الرهينة عسكرية لكونها تلقت تكوينا عسكريا و خدمت خدمة عسكرية قبل ذلك و تعهدت بإطلاق سراحها يوم السبت المقبل، الاحتلال الاسرائيلي أكد أنه لن يتمم اجراءات الانسحاب من محور نيتساريم ولن يسمح للنازحين بالعودة إلى شمال قطاع غزة كما كان متفقا عليه حتى تطلق حماس الرهينة ” أربيل يهود “.
المحللون السياسيون رأوا أن الاحتلال الاسرائيلي يناور من أجل وضع نفسه في موقف القوي الذي يحدد الشروط ، وان موضوع الرهينة عبارة عن فقاعة فارغة خصوصا بعد أن أكدت حماس أنها لا تزال حية و أن اطلاقها سيتم كما هو متفق عليه، غيران المتأمل فيما حدث بعد وقف إطلاق النار و الطريقة التي سلمت بها حماس الدفعة الأولى من الرهائن و بعدها الدفعة الثانية، سيجد مما لا يدع مجالا للشك أن الشكل المهيب الذي وضعت في إطاره حماس تسليم الرهائن كان مستفزا للاحتلال الإسرائيلي ولكل من كان يدعمه من دول الغرب على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية برئيسها الجديد ” القديم ” دونالد ترامب.
فبعد سنة ويزيد من الحرب الطاحنة و بعد التهجير و القصف و الغزو و استعراض القوة برا وبحرا و جوا ، ظهرت حركة حماس في كامل قوتها العسكرية، وأملت شروطها التفاوضية و استطاعت جعل حكومة الاحتلال الاسرائيلي برئيسها المطلوب لدى محكمة العدل الدولية يتراجع عن وعود القضاء على حماس و عدم إنهاء الحرب إلا بعد استعادة الرهائن بالقوة…، ما زاد الوضع تأزما هو عرض برنامج ” ماخفي أعظم” على شاشة الجزيرة الجمعة ولعله النقطة التي أفاضت كأس التحمل لدى كل من حاول القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس، البرنامج أظهر حقائق صدمت الجميع سواء كان معارضا أو مؤيدا لحماس، ما سبب جرحا غائرا في كبرياء من سمى نفسه دولة تملك اقوى جيش واقوى جهاز استخباراتي في العالم، وأظهر بالملموس أن الذي كان يحارَب هو شعب مدني تم تهجيره قسرا من منازله و الذين ظلوا تم اسقاط المنازل على رؤوسهم، أما المقاتلين فلم يقوى جيش الاحتلال عليهم و كلما حاول الوصول إليهم وجد أماكنهم مفخخة فانفجرت في وجوههم. بالعودة للوضع الحالي و لأزمة ” أربيل يهود “، يمكن وضع الخلاصات الآتية:
-اسرائيل: بعد أن رضخت لشروط حماس و بعد أن وقف العالم على أن الحركة لها ثقلها في المنطقة و أن جيش الاحتلال لم يستطع الوصول لمكان الرهائن رغم كل أشهر الحرب وظهور الرهائن بصحة جيدة كأنهن كن في عطلة، لم يتبقى لها إلا أن تفتعل أي مشكل على غرار أزمة ” أربيل” من أجل وقف الاتفاق ووقف استعراضات قوة حماس و تأييد الغزاويين لها، وذلك على غرار ما حدث من قصف و اعتقالات و اقتحامات لمخيم جنين بالضفة الغربية، وفي جنوب لبنان أيضا، ولن يستغرب أحد أن قام الاحتلال بخرق الاتفاق و ايجاد دريعة لعودة القصف و الحرب.
-الولايات المتحدة الأمريكية و ترامب: أولا اظن ان الحرب في غزة يعود لها الفضل الكبير في ترجيح كفة ترامب على حساب منافسته هاريس، و كأن الأمريكيين عاقبوا بايدن و حزبه على دعم الاحتلال الاسرائيلي و ازهاق أرواح آلاف من المدنيين العزل خصوصا من الاطفال والنساء كضحايا بأسلحة أمريكية، فعزف ترامب بشكل جيد على الوتر الحساس ووعد بإنهاء حرب غزة فور فوزه، وكان لا بد له من الوفاء بالوعد، غير أن نفس الصور التي شاهدها العالم هي التي عجلت بتغير نبرة ترامب و عودته إلى الخطاب الراديكالي الذي عهدناه عليه، وما تصريحاته الأخيرة حول تهجير سكان غزة نحو الأردن و مصر و تصديقه على قرار تسليم جيش الاحتلال قنابل ثقيلة الوزن إلا دليل على ان ترامب لم يرقه تطور الأحداث في المنطقة و أنه يسعى لإعادة استقرار صورة الاحتلال التي تمت زعزعتها.
هنا جاز لنا التساؤل حول إمكانية استعمال حركة حماس لطريقة أقل تأثيرا و حدة، و أن تقوم بتسليم الرهائن بعيدا عن مهرجان استعراض القوة الذي تم، فحماس عسكريا استطاعت إبهار العالم من خلال الحفاظ على قوتها و على رهائنها، غير أن التعاملات السياسية لها تحليلات مقاربات و دراسات أخرى، بعيدا عن الاندفاعية و الحماسة وكل هذا من أجل الحفاظ على المكتسبات و من أجل استمرارية النصر المحقق عسكريا، أم أن حماس كان لابد لها من تأكيد نصرها و إرعاب أعدائها و بهذه الطريقة ستجعل الاحتلال يفكر ألف مرة قبل إعطاء وعود كاذبة و رفع تحديات صعبة كالقضاء على حماس مثلا.
فهل اخطأت حماس في طريقة إعادة الرهائن ، أم من حقها إظهار قوتها للعالم ؟
إرسال التعليق