عيدٌ بلا أضحية.. حين يُذبح العيد بسكين الغلاء ونُحرم من شعائره

هند بومديان

على مرّ الأجيال، ظل عيد الأضحى محطةً سنويةً يتجدد فيها الفرح، ويتعزز فيها رابط العائلة والتكافل الاجتماعي. إنه عيد لا تكتمل فرحته إلا بصوت التكبيرات الممزوج برائحة الشواء، وأهازيج الأطفال وهم يحيطون بالأضحية كأنها جزء من طقوس طفولتهم. لكنه اليوم، تحت وطأة الغلاء الفاحش ونقص رؤوس الماشية، بات هذا العيد على حافة النسيان، مهددًا بالتحول من مناسبة احتفالية إلى ذكرى مؤلمة، تجر معها إحساسًا بالحرمان وانكسار العادات والتقاليد.

 

سكين الغلاء يسبق سكين النحر

 

لم يكن المواطن المغربي يومًا عاجزًا عن التكيف مع الأزمات، لكن الأزمة هذه المرة أعمق وأشد وطأة، حيث تضاعفت أسعار الماشية بشكل جعل الأضحية حلمًا بعيد المنال، حتى لمن كانوا يعتبرونها جزءًا من ضروريات حياتهم. لم يعد الحديث عن مجرد زيادة اعتيادية في الأسعار، بل عن ندرة حقيقية في رؤوس الماشية، ما جعل العرض لا يتناسب مع الطلب، فارتفعت الأثمان بشكل صادم، وتجاوزت القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من الأسر.

 

في زمنٍ لم يعد فيه الراتب يكفي لتغطية حاجيات الشهر الأساسية، أصبح تأمين أضحية العيد ترفًا لا يقدر عليه إلا قلة. وبينما كان البعض في الماضي يلجأ إلى الادخار، أو حتى الاستدانة، لضمان شراء الأضحية، فإن هذه الخيارات لم تعد متاحة بنفس السهولة، خاصة مع تزايد الأعباء المعيشية التي تكاد تجهز على ما تبقى من القدرة على الاحتمال.

 

عيد بلا أضحية.. هل يبقى عيدًا؟

 

منذ أن وعى المغاربة على الحياة، ارتبط عيد الأضحى بطقوس لا تكتمل إلا بوجود الأضحية، حيث يجتمع أفراد الأسرة حول الذبيحة، في أجواء من الفرح والاحتفال. لكن اليوم، ومع تعذر شراء الأضحية لدى شريحة واسعة من المجتمع، بات السؤال مطروحًا: هل يمكن للعيد أن يكون عيدًا بلا أضحية؟ هل يمكننا أن نجد بديلًا يحافظ على روح العيد دون أن نشعر بالنقص أو الغُبن؟

 

الأكثر إيلامًا أن بعض الأسر، التي بالكاد تُؤمّن قوتها اليومي، تجد نفسها أمام ضغوط اجتماعية ونفسية هائلة، حيث يُنظر لمن لم يذبح وكأنه تخلى عن واجب ديني أو فرّط في حق أبنائه بالاحتفال. وهكذا، بدلًا من أن يكون العيد مناسبةً للفرح، أصبح عبئًا ثقيلًا يثقل كاهل الأسر الفقيرة، ويدفع بعضها إلى اتخاذ قرارات قاسية، كالتضحية بمصاريف ضرورية من أجل شراء الأضحية، ولو على حساب الاحتياجات الأساسية للأسرة.

 

بين الضرورة الدينية والأزمة الاقتصادية

 

يتفق الفقهاء على أن الأضحية سنة مؤكدة وليست فرضًا، أي أنها ليست واجبة على من لا يستطيع تحمل تكاليفها. لكن في مجتمع مثل المغرب، حيث التقاليد أقوى من الفتاوى، تظل الأضحية رمزًا للكرامة الاجتماعية، ما يجعل التخلي عنها أمرًا بالغ الصعوبة.

 

وبينما تحاول الدولة التخفيف من حدة الأزمة عبر استيراد كميات إضافية من الأغنام، يظل الحل بعيدًا عن متناول الفئات الهشة والمتوسطة، التي لم تعد قادرة حتى على مجاراة أبسط متطلبات الحياة اليومية. فكيف ستتمكن من شراء أضحية وصل ثمنها إلى أرقام فلكية؟

 

هل يكون التضامن هو الحل؟

 

في مواجهة هذا الواقع القاسي، قد يكون الحل الوحيد هو إعادة إحياء قيم التضامن والتكافل الاجتماعي، بحيث يصبح العيد فرصةً لمشاركة الفرح، بدلًا من أن يتحول إلى مصدر للضغط والإحباط. قد تكون هناك حاجة إلى تغيير نظرتنا للعيد، بحيث لا يُختزل فقط في الذبح، بل يمتد إلى قيم العطاء والتراحم، سواء عبر تقاسم الأضاحي بين العائلات، أو من خلال مبادرات خيرية تضمن وصول اللحوم إلى من يحتاجونها دون أن يشعروا بالحاجة أو العوز.

 

عيد الأضحى.. إلى أين؟

 

إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فقد نصل إلى مرحلة يصبح فيها عيد الأضحى مجرد ذكرى جميلة من الماضي، تمامًا كما اندثرت عادات كثيرة بفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية. قد يأتي يوم نروي فيه لأطفالنا عن زمنٍ كانت فيه الأسر تجتمع حول الأضحية، وعن فرحةٍ كانت تغمر البيوت، قبل أن تسرقها يد الغلاء والجشع.

 

لكن إلى ذلك الحين، سيبقى السؤال معلقًا في الأفق: هل نحن أمام عيدٍ بلا أضحية؟ أم أننا فقط نعيش مرحلة انتقالية ستفرز شكلًا جديدًا للاحتفال، قد يكون مختلفًا، لكنه ربما يحمل في طياته معاني أعمق للعيد؟

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)