سلطت صحيفة «لوبوان» الفرنسية، قبل أيام، الضوء على جدل السردين بالمغرب، خاصة خلال شهر رمضان، مشيرة إلى ما أثاره ارتفاع أسعاره من نقاش في مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وأوردت الصحيفة أنه، في الدار البيضاء، يصل ثمن السردين لما يفوق 20 درهما للكيلوغرام. هذا يثير قلقا كبيرا، سيما لدى الأسر محدودة الدخل، يؤكد كريم، وهو رب أسرة يتسوق بشكل أسبوعي في الأسواق المحلية للعاصمة الاقتصادية.
على أرصفة أسواق مراكش وفاس أو الدار البيضاء، يشير المستهلكون إلى أن سعر الكيلوغرام يتراوح أحيانا بين 20 و25 درهما، في وقت يُفترض أن يتراوح فيه ثمنه بين 10 إلى 15 درهما. وهو ما أكدته مليكة، أم مغربية ترى في ذلك ضغطا إضافيا على حياتها اليومية، التي أصبحت صعبة بالفعل بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
«وأضافت: «في السابق، كان السردين بمثابة أكل جيد لا يحتاج منا إنفاقا كبيرا. اليوم، أصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للعائلات مثل عائلتي»، تضيف هذه السيدة.
دون شك، يتكرر هذا المشهد كل عام، منذ بداية الشهر الفضيل: السردين، الذي كان يعتبر سمكا ميسور التكلفة تقليديا والبروتين الأقل سعرا في السوق، يصبح فجأة وبين ليلة وضحاها موضوعا للجدل والمناقشات الحادة.
يأتي هذا الواقع في سياق اقتصادي يطبعه غلاء المعيشة والارتفاعات التضخمية، ويغذي هذا الارتفاع في الأسعار الجدل حول الحفاظ على القدرة الشرائية وتنظيم قنوات التوزيع.
وتشير هذه الإنتقادات أحيانا إلى تجار الأسماك وأحيانا إلى الوسطاء، المشتبه بهم في السيطرة على جزء كبير من سلسلة القيمة، في حين تحاول السلطات تهدئة الأجواء بالوعد بالمزيد من الرقابة.
«من غير المقبول، على سبيل المثال، أن يكون سعر السردين بالجملة، الذي لا يتجاوز 3 دراهم للكيلوغرام، يُعرض بعد ذلك للمستهلك بسعر يتراوح بين 15 و20 درهما للكيلوغرام»، وإنتقد النائب البرلماني المغربي حرمة الله محمد الأمين هذا الحال في تصريح صحفي أدلى به للموقع الإخباري Le360.
واجتاز هذا الجدل مرحلة جديدة مع ظهور شخصية غير عادية: بائع سمك ملقب بـ«عبدالإله مول سردين»، مقيم بمراكش. أصبحت فيديوهاته على تيك توك، التي يعرض فيها السردين بـ5 دراهم للكيلوغرام، ذائعة الصيت، مما أثار الضغط على حكومة عزيز أخنوش.
وفقا لصحيفة Lematin، فإن هذه المبادرة قد عرقلت حجج الحكومة وأظهرت مدى تأثير المضاربة كسبب رئيسي لغلاء الأسماك.
منذ ذلك الحين، تتكاثر الحملات على الإنترنت، مما يؤدي إلى مواجهة افتراضية بين الصيادين وتجار الأسماك والباعة، كل منهم يلقي اللوم على الآخر.
في غضون أيام قليلة، اشتعلت مواقع التواصل، بالمغرب، في سياق مسبوق ببوادر حملة انتخابية غير رسمية، على بعد خمسة عشر شهرا من الانتخابات التشريعية لعام 2026.
وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع أسعار السردين هذا العام لا يرجع فقط إلى المضاربة: فالراحة البيولوجية هي أيضا سبب من الأسباب.
يشرح لنا أحد مهنيي القطاع أن «شهر رمضان يتزامن مع فترة إنتاج منخفضة، بسبب التوقف البيولوجي المفروض في شهري يناير وفبراير».
ومع ذلك، فإن كل هذا لا يروي سوى جزء من القصة.
في المغرب، أصبح السردين عنصرا أساسيا لصناعة ضخمة
يكشف هذا الواقع المزدوج، بين صناعة مزدهرة، من جهة، ومستهلكين يواجهون ارتفاع الأسعار، من جهة أخرى، عن تعقيد قطاع تتعايش فيه مصالح اقتصادية كبيرة وتحديات اجتماعية حساسة.
في الصحراء المغربية، السردين هو عمود صناعة مزدهرة
وتكشف هذه الأزمة عن واقع اقتصادي منفرد بالصحراء المغربية، وهي منطقة ذات أهمية جيوسياسية كبيرة، وفي الداخلة تحديدا، لا يعتبر السردين مجرد منتج يضمن دخلا قارا لآلاف البحارة أو التجار: إنه رئة قطاع يوفر أكثر من 14,000 فرصة شغل مباشرة، أي 30٪ من السكان النشطين في المنطقة، مع مشاركة بارزة للنساء (60٪).
وهكذا، سلطت صحيفة «لوبوان» الفرنسية الضوء على الدور الحيوي الذي تلعبه الصحراء المغربية، وخاصة مدينة الداخلة، في صناعة السردين، حيث أوضحت أن هذه المنطقة أصبحت مركزا رئيسيا للصيد البحري، إذ يعمل فيها أكثر من 14 ألف شخص، بينهم نسبة كبيرة من النساء، وتمثل هذه الصناعة حوالي 30% من القوة العاملة المحلية.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الصناعة ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل هي ركيزة استراتيجية ضمن رؤية المغرب لتعزيز التنمية في الأقاليم الجنوبية، حيث استثمرت الدولة بشكل كبير في البنية التحتية، وتحديث الأسطول البحري، وإنشاء مصانع حديثة لمعالجة وتصدير المنتجات البحرية.
وتحدث التقرير عن الكونفدرالية المغربية لملاك سفن الصيد الصناعي للأسماك السطحية (COMAIP)، التي تسعى إلى تنظيم القطاع وضمان استدامته في مواجهة التحديات المحلية والدولية. ونقلت تصريحا لمحمد لمين حرمة الله، رئيس الكونفدرالية، الذي أكد أن السردين « ليس مجرد منتج غذائي رخيص، بل رمز للتحول الصناعي في المنطقة، وأداة لتحقيق السيادة الاقتصادية، وأمل للشباب الباحث عن فرص العمل. » .
وأشارت الصحيفة إلى التحديات التي تواجه صناعة السردين في الصحراء المغربية، خاصة في ظل القرارات الأوروبية الأخيرة، حيث ذكرت الصحيفة أن حكم محكمة العدل الأوروبية الصادر في أكتوبر 2024 فرض قيودا على المنتجات القادمة من الصحراء المغربية، مما قد يؤثر على صادرات المملكة إلى الأسواق الأوروبية.
كما حذرت الصحيفة من أن التغير المناخي يؤثر على المخزون السمكي في المحيط الأطلسي، ما يفرض على المغرب تطوير استراتيجيات مستدامة لضمان الحفاظ على ثرواته البحرية، وأشادت بالجهود التي تبذلها الهيئات المغربية في مجال محاربة الصيد غير القانوني وتعزيز الممارسات المسؤولة في القطاع.
وخلصت لوبوان في تقريرها إلى أن السردين لم يعد مجرد وجبة تقليدية على مائدة المغاربة، بل أصبح قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية، فمن جهة، يعاني المواطن البسيط من ارتفاع أسعاره في الأسواق، ومن جهة أخرى، يشكل محورا رئيسيا في الصناعة البحرية المغربية، خاصة في الصحراء المغربية، التي تعد مركزا استراتيجيًا لتنمية الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانة المغرب في السوق الدولية، وبينما تواجه الحكومة تحديات ضبط الأسعار ومكافحة المضاربة، فإن الرهان الأكبر يتمثل في كيفية ضمان استدامة هذه الصناعة وتعزيز تنافسيتها عالميا، خاصة في ظل القيود الأوروبية والتغيرات المناخية التي تهدد الثروات البحرية.
تعليقات ( 0 )