إعداد: لحبيب مسكر
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، إشاعات تدّعي أن سفنًا محملة بأسلحة موجهة نحو إسرائيل رست في ميناء طنجة المتوسط وميناء الدار البيضاء، وهو ما أثار جدلًا واسعًا وسط الرأي العام المغربي، خصوصًا في ظل تصاعد التوتر في الشرق الأوسط وارتفاع الحساسية الشعبية تجاه أي شبهة تطبيع أو دعم عسكري مباشر أو غير مباشر.
ورغم غياب أي تأكيد رسمي أو دلائل مادية تثبت هذه المزاعم، إلا أن تداولها أعاد فتح النقاش حول الدور الجيوستراتيجي الذي بات المغرب يلعبه في المنطقة، خصوصًا بامتلاكه لأحد أهم الموانئ الإفريقية وأكثرها نشاطًا على الصعيدين الإقليمي والدولي.
طنجة المتوسط: بوابة إفريقيا نحو العالم
ميناء طنجة المتوسط ليس مجرد نقطة عبور للبضائع، بل هو محور لوجيستي عالمي يربط بين أوروبا، إفريقيا، وأمريكا. وفقاً لتقارير دولية، أصبح الميناء الأول إفريقيا من حيث الطاقة الاستيعابية والحركة التجارية، وهو ما جعله نقطة جذب رئيسية لشركات الشحن البحري الكبرى، بما فيها تلك العابرة نحو مناطق نزاع.
لكن هذا الدور، الذي يعد مكسبًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا للمملكة، يجعله في مرمى الإشاعات والأحكام المسبقة، خصوصًا في زمن الحروب الإعلامية والهجمات السيبرانية التي تستهدف التشويش على الدول المستقرة والمؤثرة في محيطها.
شبهة لا تعني تورطًا: المغرب تحت مجهر التضليل
ما يُروّج من ادعاءات حول “سفن أسلحة موجهة لإسرائيل” لا يعدو أن يكون افتراضًا غير مؤسس على معطيات دقيقة. عمليات العبور البحري معقّدة، تخضع لقوانين دولية صارمة، ومراقبة جمركية ولوجيستية دقيقة، خصوصًا في الموانئ المغربية التي أصبحت نموذجًا في الكفاءة والتقنيات الحديثة.
كما أن المغرب، رغم تطبيع العلاقات مع إسرائيل ، لا توجد أي دلائل على مشاركته في تسليح مباشر أو غير مباشر في النزاعات الجارية حالياً. بل إن الرباط لطالما أكدت على موقفها الثابت من القضية الفلسطينية ودعمها لحل الدولتين.
البعد الأكبر: استهداف الدور الإقليمي للمغرب
تحليل هذه الإشاعات خارج السياق السياسي والإقليمي يُعد اختزالاً خطيراً. فالمغرب لم يعد مجرد دولة عبور، بل أصبح فاعلًا استراتيجياً في التجارة البحرية العالمية، بفضل موقعه الجغرافي الاستثنائي بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.
وفي وقت تشهد فيه المنطقة إعادة تشكيل للخرائط الاقتصادية والديبلوماسية، لا يُستبعد أن يكون التشويش على صورة المغرب جزءًا من محاولات إضعاف موقعه التنافسي، خاصة من أطراف إقليمية ترى في نجاح طنجة المتوسط تهديدًا لموانئها التقليدية.
خلاصة: بين ضرورة اليقظة ورفض الابتزاز المعنوي
من المشروع لأي مواطن مغربي أن يتساءل ويطالب بالشفافية، لكن من الضروري أيضًا أن نُميز بين الحق في المعرفة والتفاعل الواعي، وبين الانجرار وراء حملات تضليل ممنهجة.
المغرب، بفضل موقعه، لن يكون بعيدًا عن ساحات التنافس العالمي، لكن مسؤولية الدولة والمجتمع تكمن في حماية هذا الموقع لا عبر الإنكار، بل من خلال اليقظة، التوضيح، والتعامل الحاسم مع الأخبار الزائفة التي تهدد سمعة الوطن ومصالحه العليا.
تعليقات ( 0 )