مع الحدث
المتابعة ✍️: ذ لحبيب مسكر
إسرائيل تضرب في العمق الإيراني: تصعيد غير مسبوق ينقل المواجهة من الوكلاء إلى الجبهات المباشرة
في تصعيد مفاجئ أعاد خلط أوراق المنطقة، نفّذت إسرائيل سلسلة من الضربات العسكرية الدقيقة ضد أهداف داخل العمق الإيراني، أبرزها منشأة نطنز النووية ومواقع في تبريز. العملية التي تمّت بطائرات مسيّرة وصواريخ موجهة لم تكن مجرد ردع تكتيكي، بل إعلان عن تحوّل خطير في طبيعة الاشتباك. إيران، التي لطالما خاضت حروبها بالنيابة عبر أذرعها في لبنان واليمن والعراق، وجدت نفسها هذه المرة في مرمى النيران المباشرة. مصادر ميدانية أكدت مقتل أكثر من عشرين جنرالًا من الحرس الثوري في هذه الهجمات، في أكبر ضربة نوعية لقيادتها منذ سنوات.
ورغم محاولات طهران التقليل من حجم الأضرار والتأكيد على عدم وقوع تسرب إشعاعي، فإن الصدمة بدت واضحة في ردود الفعل الإيرانية، سواء على مستوى الخطاب السياسي أو التعاطي الإعلامي. في المقابل، تسعى إسرائيل إلى فرض معادلة ردع جديدة، لا تعتمد فقط على المواجهة غير المباشرة، بل على توجيه ضربات استباقية في العمق الاستراتيجي لخصمها.
من منظور أوسع، يمكن اعتبار ما يجري اليوم بين إيران وإسرائيل امتدادًا لتكتيك “الحروب بالنيابة”، ولكن بصيغة أكثر جرأة. ففي الوقت الذي تتصاعد فيه المواجهات التقليدية في غزة وأوكرانيا والساحل الإفريقي، وتتعاظم أدوار الفاعلين من غير الدول، تختار إسرائيل الآن نقل المعركة إلى قلب طهران، مستفيدة من دعم استخباراتي غربي وصمت دولي مُريب.
هذا التصعيد الإسرائيلي يأتي في لحظة سياسية حرجة. إسرائيل تعاني داخليًا من أزمة اقتصادية خانقة واحتجاجات شعبية وتراجع كبير في صورتها الدولية بفعل مجازرها في غزة. فهل جاءت هذه الضربات للهروب إلى الأمام، وتحويل أنظار الرأي العام العالمي من حرب الإبادة في القطاع إلى “الخطر النووي الإيراني”؟ الاحتمال وارد بقوة، خصوصًا وأن بعض المحللين يرون في الهجوم محاولة لتصدير الأزمة الداخلية نحو الخارج.
الرد الإيراني ما زال يتسم بالحذر الشديد. فالدخول في حرب شاملة مع إسرائيل ليس في صالح طهران في الظرف الراهن، نظرًا للأوضاع الاقتصادية الهشة، والرغبة في تفادي مزيد من العزلة الدولية. لذلك، تتأرجح خيارات الرد بين التصعيد عبر الحلفاء مثل حزب الله والحوثيين، أو الاكتفاء برد رمزي سيبراني ودبلوماسي.
لكن الأهم أن ما يجري اليوم يُعيد تعريف مفهوم الحرب بالنيابة. لم تعد الحرب تُدار فقط عبر فصائل مسلحة أو وكلاء محليين، بل أصبحت تشمل ضربات مباشرة تخدم أهدافًا مركّبة: تعطيل مشاريع استراتيجية، إعادة تعريف الردع، وتوجيه رسائل سياسية عبر القنابل والصواريخ.
الحروب بالنيابة في القرن الحالي أصبحت أكثر تعقيدًا وتشابكًا. هي ليست فقط وسيلة لتفادي المواجهات المباشرة بين القوى العظمى، بل أداة للتحكم في مسارات التوازنات الدولية. الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وحتى قوى إقليمية كتركيا وإيران وإسرائيل، كلهم يستخدمون هذه الحروب لفرض النفوذ وتوسيع المجال الحيوي.
في إفريقيا، تتصارع قوى دولية عبر ميليشيات محلية ومجموعات متمردة. في أوكرانيا، تحوّلت الحرب إلى استنزاف مستمر لروسيا بتمويل وتسليح غربي. وفي آسيا، التوتر في بحر الصين الجنوبي وتايوان يُنذر بإعادة إنتاج نفس النمط عبر دعم جماعات أو حكومات تدور في فلك المحاور المتصارعة.
وبينما تجني الشركات العسكرية أرباحًا هائلة، وتختبر الدول العظمى أسلحتها وتكتيكاتها على أراضٍ ليست أراضيها، يبقى المدنيون هم الضحية الدائمة. في إيران كما في غزة، في السودان كما في أوكرانيا، يُقتل الأبرياء تحت شعارات كبرى: الردع، الأمن القومي، والاستقرار الإقليمي.
ربما تكون الحروب بالنيابة أقل تكلفة على الجيوش النظامية، لكنها أكثر فتكًا بالمجتمعات الضعيفة والدول الهشة. ورغم كل جهود الوساطة الدولية، فإن استمرار هذا النمط من الصراع يعني أننا نعيش في عالم تُدار فيه المعارك عن بُعد، بينما تُدفع الأثمان في الأزقة والمستشفيات والأسواق.
الخلاصة أن ما يجري بين إسرائيل وإيران الآن، وإن بدا كتصعيد محدود، قد يكون الشرارة التي تنقل الشرق الأوسط إلى مرحلة جديدة من الحروب. مرحلة لا يكتفي فيها اللاعبون الكبار بتحريك البيادق، بل ينزلون بأنفسهم إلى الميدان، ولو مؤقتًا، لرسم خرائط نفوذ جديدة… بالنار.
تعليقات ( 0 )