مع الحدث
بقلم✍️ : ذ محمد المزابي – فاعل سياسي وناشط مدني
رغم ما راكمه المغرب من مكتسبات ملموسة في مسار إصلاح منظومته القضائية، سواء من حيث تعزيز استقلالية السلطة القضائية أو من خلال تحسين جودة الأحكام وتعزيز ثقة المتقاضين في نزاهة المساطر، إلا أن نقطة الضعف الجوهرية التي ما تزال تقوّض ثقة المواطن في العدالة تكمن في إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية.
فما جدوى حكم قضائي نهائي يصدر باسم جلالة الملك إذا بقي حبراً على ورق؟ أليس تنفيذ الحكم هو الامتحان الحقيقي لنجاعة القضاء ومصداقية الدولة؟ في منطق العدالة، لا يكفي أن يصدر حكم منصف، بل يجب أن يصل أثره إلى صاحبه، في الواقع وليس فقط في النص.
التنفيذ: امتداد طبيعي للعمل القضائي
العدالة لا تُستكمل لحظة النطق بالحكم، بل عند تنفيذه الفعلي. فالتنفيذ يمثل الحلقة الأخيرة، لكنه الأهم، في مسار التقاضي. وإذا ما اختلّت هذه الحلقة، فذلك يعني أن المواطن قد خسر معركته رغم ربحه للقضية.
وتتجلى خطورة هذا الخلل بشكل أوضح في ملفات ذات طابع اجتماعي أو اقتصادي حساس، كالنزاعات العقارية، والأحوال الشخصية، أو الملفات التجارية، حيث تتحول الأحكام غير المنفذة إلى مصدر إحباط ويأس، بل وإلى سبب في فقدان المواطن ثقته في المؤسسات.
المواطن بين الأمل والخذلان
كثيرون هم أولئك الذين يلجؤون إلى القضاء مثقلين بالآمال، غير أن طول أمد المساطر وتعقيدها، إضافة إلى تهرب المحكوم عليهم، غالبًا ما يبدد هذه الآمال. فتجدهم وقد خاضوا معارك قانونية مريرة، لينتهي بهم المطاف أمام واقع مؤلم: حكم نافذ نظريًا، لكنه معطل عمليًا.
وتتنوع الأسباب وراء هذا التعطيل:
تعنّت بعض المحكوم عليهم وتهربهم من التنفيذ
ضعف الموارد البشرية والتقنية بمصالح التنفيذ
تعقيد وتعدد المساطر القانونية
غياب آليات زجر فعالة لمواجهة الامتناع عن التنفيذ
وأحيانًا تسلل الفساد أو استغلال ثغرات قانونية تحول دون الإنصاف.
إصلاح التنفيذ: مسؤولية مشتركة
إصلاح هذه الحلقة الحيوية لا يخص القضاء وحده، بل يُعد مسؤولية تشاركية تتقاطع فيها أدوار مختلف الفاعلين:
النيابة العامة باعتبارها ضامنة لحسن تطبيق القانون
أجهزة الشرطة القضائية المكلفة بالتدخل في حالات الامتناع أو التهريب
المحامون من خلال التأطير والترافع لتفعيل الحق في التنفيذ
والمشرّع المغربي الذي تقع على عاتقه مسؤولية مراجعة وتحديث مدونة المسطرة المدنية بما يضمن تبسيط المساطر وتسريعها.
كما أن رقمنة إجراءات التنفيذ واعتماد منصات إلكترونية وآليات تتبع دقيقة قد يشكّلان رافعة مهمة لتحسين أداء هذا القطاع.
الخلاصة: لا عدالة بدون تنفيذ
إن دولة القانون تُقاس ليس فقط بقوة نصوصها، بل بمدى تطبيقها الفعلي. فتنفيذ الأحكام القضائية في آجال معقولة وبآليات فعالة ليس امتيازًا، بل حق دستوري وجزء لا يتجزأ من العدالة الناجعة.
لذلك فإن الرهان لم يعد مقتصرًا على تكريس استقلال القضاء، بل أصبح مرتبطًا أيضًا بفعالية تنفيذ أحكامه، وهو ما يشكل معيارًا حقيقيًا لمدى تحقق العدالة وتجسيد دولة الحق والمؤسسات.
تعليقات ( 0 )