نجومية السياسين عرض بلا مضمون 

مع الحدث

تحرير ✍️: ذ لحبيب مسكر 

 

في المشهد السياسي المغربي يتعاظم حضور الصورة على حساب الفكرة، وتُستبدل المشاريع الحقيقية بالعروض اللفظية والرمزية، وكأن السياسة تحوّلت إلى ساحة استعراض لا ميدان تدبير. المواطن المغربي، الذي أنهكته الوعود المتكررة والإخفاقات المتراكمة، لم يعد يُصدق الخطابات بقدر ما يُقيّم السياسيين بمدى قدرتهم على الإبهار، أو على الأقل، على شغل الفراغ.

 

وسط هذا الواقع نلحظ ظاهرة تزداد وضوحًا: الخروج المتكرر لبعض الوجوه السياسية بتصريحات غريبة، مثيرة للجدل، ولا تخلو من تناقض أو استفزاز، وكأن الهدف لم يعد تصحيح المسار أو شرح المواقف، بل صناعة ضجيج مفتعل يُبقيهم في دائرة الانتباه الجماهيري. هؤلاء لا يقدمون حلولًا، بل يتقنون إثارة “البوز السياسي”، حيث يتحول الجدل إلى أداة ترويج، والمواقف المرتبكة إلى استراتيجية دائمة. وهكذا تُستهلك السياسة في المغرب كما تُستهلك عناوين الإثارة في عالم الإعلام: من أجل الصدى، لا من أجل الصالح العام.

 

الفاعل السياسي يواجه اليوم رهانًا مركبًا: من جهة، تآكل الثقة الشعبية في الأحزاب والمؤسسات التمثيلية، ومن جهة أخرى، ضغط رقمي وإعلامي يفرض عليه الظهور والتفاعل بشكل دائم، حتى وإن كان ذلك بثمن التفاهة أو الخروج عن السياق. في هذا المناخ، صار كثير من السياسيين يركّزون على “ما يبدو” أكثر من “ما هو”، وعلى ما يُقال أكثر مما يُنجز. يُصمّم الخطاب ليروق للكاميرا، لا ليواجه تعقيدات الواقع. والأنكى، أن هذا المنطق بات مألوفًا، بل مقبولًا من طرف شرائح واسعة من الجمهور.

 

والمفارقة أن الجمهور عن وعي أو لا وعي، يُغذي هذه الدينامية. يُصفّق لمن يرفع الشعارات، ويُقصي من يُصارحه بالحقائق. ينجذب للوعود الفورية أكثر من الخطط بعيدة الأمد. ومن ثم، فإن السياسي المغربي يجد نفسه محاصرًا بين رغبة في الإصلاح الحقيقي، وضغوط واقعية تدفعه إلى مجاراة منطق العرض، ولو على حساب مبادئه.

 

في مثل هذا المناخ تصبح الأخلاق عبئًا. من يتشبّث بها قد يُتّهم بالضعف، أو يُقصى باعتباره “غير سياسي بما يكفي”. ومع ذلك، لا يعني هذا أن السياسة يجب أن تكون بلا أخلاق. بل ربما نحتاج إلى إعادة تعريف “الأخلاق السياسية”: أخلاق تنبع من ربط المسؤولية بالنتائج، من الاعتراف بأن الوسيلة قد تكون مؤلمة، لكن الغاية يجب أن تكون في خدمة الناس لا السلطة.

 

ورغم ضجيج المرحلة يبقى التاريخ هو الحكم الأصدق. ما يُنسج من صور، وما يُقال من شعارات، قد يخدع اللحظة، لكنه لا يصمد أمام ذاكرة الشعوب. كم من سياسي لمع نجمه في ظرفية معينة ثم طواه النسيان، لأنه لم يترك غير الصدى؟ وكم من فاعل حقيقي حورب أو همّش، ثم أعاد الزمن له اعتباره لأنه كان صادقًا في زمن المزايدات؟

 

في هذا السياق لا بد من طرح السؤال الجوهري: هل نُريد سياسة تعكس حاجاتنا العميقة، أم سياسة تُلهينا عن خيباتنا؟ هل نريد من يُداوي الواقع، أم من يُزيّنه بالكلمات؟ المعركة ليست فقط بين برامج وخطابات، بل بين قيم يُراد لها أن تُنسى، ومنطق يُراد له أن يسود.

 

وفي ختام هذا التأمل لا نجد أكثر دقة من كلمات نيكولو مكيافيلي، المفكر الذي فهم جوهر السلطة قبل قرون، حين قال:

“الجماهير لا تريد الأخلاق، بل العرض.”

وهو بذلك لا يهاجم الناس، بل يكشف آلية خفية تُعيد إنتاج الرداءة، ما لم نقرر جميعًا كسرها بوعي جديد.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)